إذا طلق الرجل زوجته طلاقا غير بائن فإن الزوجية تظل قائمة ما لم تنقض العدة ، وللزوج أن يرد الزوجة إلى عصمته أثناء العدة، ولا يحتاج الأمر إلى رضاها ولا إلى تجديد لعقد النكاح، ولكن اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد على الرجعة، فهناك من قال إن الإشهاد على الرجعة واجب، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأشهاد على الرجعة مستحب، واحتياطا للفروج الأولى أن يعلم الرجل زوجته بالرجعة وأن يشهد على ذلك .
ولكن يبقى أمر مهم وهو أن توثق الرجعة لدى جهات التوثيق المختصة إذا كان الطلاق قد تم عن طريق المحكمة حفظا للفروج والحقوق .

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية
ذهب الحنفية والمالكية ، والجديد من مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد إلى أن الإشهاد على الرجعة مستحب ، وهذا القول مروي عن ابن مسعود ، وعمار بن ياسر رضي الله عنهما ، فمن راجع امرأته ولم يشهد صحت الرجعة ; لأن الإشهاد مستحب . وحجتهم في ذلك ما يأتي :
1- الرجعة مثل النكاح من حيث كونها امتدادا له ، ومن المتفق عليه أن استدامة النكاح لا تلزمها شهادة، فكذا الرجعة لا تجب فيها الشهادة .

2- الرجعة حق من حقوق الزوج وهي لا تحتاج لقبول المرأة ، لذلك لا تشترط الشهادة لصحتها ; لأن الزوج قد استعمل خالص حقه ، والحق إذا لم يحتج إلى قبول أو ولي فلا تكون الشهادة شرطا في صحته . قالوا : وأما قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) الطلاق : 2 هذا أمر ، والأمر في هذه الآية محمول على الندب لا على الوجوب ، مثل قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ) البقرة : 282واتفق جمهور الفقهاء على صحة البيع بلا إشهاد ، فكذا استحب الإشهاد على الرجعة للأمن من الجحود ، وقطع النزاع ، وسد باب الخلاف بين الزوجين .

ويلاحظ أن تأكيد الحق في البيع في حاجة إلى إشهاد أكثر من الرجعة ; لأن البيع إنشاء لتصرف شرعي ، أما الرجعة فهي استدامة الحياة الزوجية أو إعادتها ، فلما صح البيع بلا إشهاد صحت الرجعة بلا إشهاد من باب أولى . وأضاف المالكية أن الزوجة لو منعت زوجها من وطئها حتى يشهد على الرجعة كان فعلها هذا حسنا وتؤجر عليه ، ولا تكون عاصية لزوجها .
وذهب الشافعي في القديم من المذهب وأحمد في الرواية الثانية بأن الإشهاد على الرجعة واجب لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) . وبالأثر المروي عن عمران بن حصين فقد سأله رجل عمن طلق امرأته طلاقا رجعيا ثم وقع بها ولم يشهد ، فقال : طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة ، أشهد على ذلك ولا تعد ; ولأن الرجعة استباحة بضع محرم فيلزمه الإشهاد . وقال النووي : إن الإشهاد على الرجعة ليس شرطا ولا واجبا في الأظهر .

وجاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
المراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين : اشهدا أني قد راجعت امرأتي . بلا ولي يحضره ، ولا صداق يزيده . وقد روي عن أبي عبد الله (أحمد بن حنبل) – رحمه الله – رواية أخرى ، أنه تجوز الرجعة بلا شهادة، وجملته أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ، ولا صداق ، ولا رضى المرأة ، ولا علمها بإجماع أهل العلم ; لما ذكرنا من أن الرجعية في أحكام الزوجات ، والرجعة إمساك لها ، واستبقاء لنكاحها، ولهذا سمى الله – سبحانه وتعالى – الرجعة إمساكا ، وتركها فراقا وسراحا ، فقال: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق : 2، وفي آية أخرى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة : 229. وإنما تشعَّثُ النكاح بالطلقة وانعقد بها سببُ زواله ، فالرجعة تزيل شعثَه ، وتقطع مضيه ، إلى البينونة ، فلم يحتج لذلك إلى ما يحتاج إليه ابتداء النكاح .

فأما الشهادة ففيها روايتان:

إحداهما ، تجب، وهذا أحد قولي الشافعي ; لأن الله تعالى قال : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الطلاق : 2. وظاهر الأمر الوجوب ، ولأنه استباحة بضع مقصود ، فوجبت الشهادة فيه ، كالنكاح ، وعكسه البيع .
والرواية الثانية ، لا تجب الشهادة، وهي اختيار أبي بكر ، وقول مالك ، وأبي حنيفة ; لأنها لا تفتقر إلى قبول ، فلم تفتقر إلى شهادة ، كسائر حقوق الزوج ، ولأن ما لا يشترط فيه الولي لا يشترط فيه الإشهاد ، كالبيع ، وعند ذلك يحمل الأمر على الاستحباب .

ولا خلاف بين أهل العلم ، في أن السنة الإشهاد . فإن قلنا : هي شرط . فإنه يعتبر وجودها حال الرجعة ، فإن ارتجع بغير شهادة ، لم يصح ; لأن المعتبر وجودها في الرجعة ، دون الإقرار بها ، إلا أن يقصد بذلك الإقرار الارتجاع ، فيصح .