لا ريب أن أوثق أنواع الأخوّة وأقواها وأبقاها، هي: أخوة العقيدة؛ فهي فوق كل الروابط الأرضية من العرق، واللون واللغة والإقليم وغيرها. وحقوق هذه الأخوة أوثق وأعظم من حقوق غيرها.
-وعلى هذا جاء قوله تعالى:{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم }الحجرات:10
-وقوله تعالى:{ واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا }آل عمران:103
-وقوله عز وجل:{ هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم }الأنفال:62 –63
-وقال ﷺ:( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه).
هل الاخوة في العقيدة فقط؟
الأخوة العظيمة الوثيقة العميقة لا تنافي وجود أنواع أخرى من الأخوة قد لا تكون في عمق الأخوة الدينية وقوتها.
وذلك مثل الأخوة القومية أو الأخوة الوطنية، ومعنى الأخوة القومية والوطنية: وجود رباط مشترك مع جماعة من الناس تجمعهم قومية واحدة، أي ينتسبون إلى عرق واحد، أو يجمعهم وطن واحد.
والدليل الواضح على ذلك: أن القرآن الكريم وصف الأنبياء المرسلين بأخوتهم لقومهم مع أنهم كفروا بهم وكذبوهم وعاندوهم. وهذا بيّنٌ في عدة سور من القرآن، منها سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء.
-فنجد في سورة الشعراء قوله تعالى:{ كذبت قوم نوح المرسلين.إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون }الشعراء:105 -106 فهم كذبوا المرسلين حين كذبوا نوحا عليه السلام، ومع هذا اعتبر نوحا أخا لهم؛ لأنه كان واحدا منهم، فقد كان رسولا إلى قومه.
-ومثل ذلك قوله تعالى:{ كذبت عـاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون }الشعراء:123-124
-وقوله تعالى:{ كذبت ثمـود المرسلين.إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون }الشعراء:141-142
-وقوله تعالى:{ كذبت قوم لوط المرسلين.إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون }الشعراء:160-161
فكل هؤلاء الأقوام المكذبين المشركين: إخوة لرسلهم بنصّ القرآن؛ لأنهم كانوا منهم، فهم قومهم الذين ينتسبون إليهم.
والاستثناء الوحيد في هذه السورة قوله تعالى عن شعيب:{ كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون }الشعراء:176-177 فلم يقل هنا كما قال مع سائر الرسل: إذ قال لهم أخوهم، بل قال:إذ قال لهم شعيب؛ لأنه لم يكن منهم، بل كان من مدين. ولهذا جاء في الأعراف وهود:{ وإلى مدين أخاهم شعبيا}الأعراف:85
وبهذا يتبين لنا أن القرآن الكريم أقر(الأخوة غير الدينية) أي الأخوة المبنية على وحدة القوم، ومثلها القائمة على وحدة الوطن. فالأخوة الدينية أخص، وهذه أعم، ولا تنافي بين الخاص والعام.
هل جميع البشر إخوة؟
بل أقول: هناك أخوة أعم من هذه كلها، وهي الأخوة البشرية العامة، المؤسسة على أن جميع البشر عباد الله تعالى، وأبناء لآدم، كما قال النبي ﷺ: (أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد)
وقد روى أحمد وأبو داود عن زيد بن أرقم، أن النبي ﷺ كان يقول دبر كل صلاة:
“اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا شهيد أنك الله وحدك لا شريك لك.
اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا شهيد أن محمدا عبدك ورسولك.
اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة”
فهذه الأخوة التي تضمنتها الشهادة الثالثة، تشمل في ظاهرها كل العباد، عجما وعربا، بيضا وسودا، أغنياء وفقراء، ملوكا وسوقة، مسلمين وغير مسلمين.
وهذا ما عبر عنه شاعر مسلم بقوله:
إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي، وكل العالمين أقاربي!
هذا وقد طلب إلينا الإسلام أن نَبَرّ المسالمين من غير المسلمين ونقسط إليهم، ولو كانوا خارج دار الإسلام، فما بالك إذا كانوا داخل دار الإسلام، أي داخل أوطاننا، فهم منا، ونحن منهم.
وإذا كان هذا التعبير(إخواننا) يسرهم ويقربهم منا، ويحببنا إليهم، فلماذا لا نستخدمه، ونفوت الفرصة على من يريدون تعكير صفو العلاقة بيننا وبينهم ليصطادوا في الماء العكر.
إن موضوع الأقليات غير الإسلامية في أوطاننا اليوم هو من أشد الموضوعات خطرا، ويستخدمه أعداؤنا لتعويق الدعوة إلى الرجعة للإسلام، واستعادة الحياة في ظل الإسلام، وهم يتهموننا باضطهاد غير المسلمين، والإساءة إليهم، وهضم حقوقهم، والاستهانة بكرامتهم، والواجب علينا أن نرد عليهم ببينات الإسلام، التي تنقض بحقها باطلهم.
ونحن لا نفتري على الإسلام، أو نصطنع إسلاما زائفا، لنرضي هؤلاء المتقوّلين بغير الحق، ولكن نقول ما نراه من صميم الإسلام، وما قامت عليه الدلائل والبراهين.والحمد لله رب العالمين.
الخلاصة : الأصل في الأخوة أن تكون إيمانية شرعية بين المسلمين بعضهم بعضًا ، وأما الكافر ليس أخًا للمسلم من هذه الحيثية .
وأما أخوة النسب ، أو البلد ، أو نحو ذلك فلا حرج في إثباتها بين المسلم والكافر.