قال الإمام النووي في كتابه “الأذكار” فقال في ص276: قال الله تعالى (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (سورة النجم:32) اعلم أن ذكْر محاسن النفس ضِرْبان: مذموم، ومحبوب.

فالمذموم أن يَذكره للافتخار وإظهار الارتفاع والتميُّز على الأقران وشبه ذلك.

والمحبوب أن يكون فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمِرًا بالمعروف أو ناهيًا عن المنكر، أو ناصحًا أو مشيرًا بمصلحة، أو معلِّمًا أو مؤدبًا، أو واعظًا ومذكرًا، أو مصلحًا بين اثنين، ويدفع عن نفسه شرًا أو نحو ذلك، فيذكر محاسنه ناويًا بذلك أن يكون هذا أقرب إلى قبول قوله واعتماد ما يذكره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به، أو نحو ذلك.

وقد جاء في هذا المعنى ما لا يُحْصى من النصوص، كقول النبي ـ ـ ” أنا النبي لا كَذِب، أنا سيِّد ولد آدم، أنا أول من تَنشق عنه الأرض، أنا أعلمكم بالله وأتقاكم، إني أبيت عند ربي” وأشباهه كثيرة.

وقال يوسف ـ ـ ( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)(سورة يوسف:55)، وقال شعيب ـ ـ (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)(سورة القصص :27).

وقال عثمان ـ رضي الله عنه ـ حين حُوصِرَ ما رَوَيْناه في صحيح البخاري أنه قال: ألستم تعلمون أن رسول الله ـ ـ قال: “من جهَّز جيش العُسْرة فله الجنة” فجهزتُهم، ألستم تعلمون أن رسول الله ـ ـ قال “من حفر بئر رُومه فله الجنة، فحفرتها؟ قال: فصدَّقوه بما قال.

وروينا في صحيحهما عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أنه قال حين شكاه أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وقالوا: لا يُحسن يُصلي، فقال سعد: والله إني لأوَّل رجل من العرب رَمي بسهم في سبيل الله تعالى، ولقد كنا نغزو مع رسول الله ـ ـ … وذكر تمام الحديث.

وروَيْنا في صحيح مسلم عن عليِّ ـ رضي الله عنه ـ قال: والذي فلق الحبَّة وبَرَأَ النّسمة إنه لعَهْدُ النبي ـ ـ إليَّ أنه لا يُحبُّني إلا مؤمن، ولا يُبْغضُني إلا منافق، ومعنى برأ: خلق ، والنسمة: أي النفس، وفي البخاري ومسلم عن أبي وائل قال: خطبنا ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقال: والله لقد أخذت مِنْ فِي رسول الله ـ ـ أي من فمه ـ بضعًا وسبعين سورة، ولقد علِم أصحاب رسول الله ـ ـ أني من أعلمهم بكتاب الله تعالى، وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سُئل عن البُدْنة إذا أزْحفت ـ وقفت من الإعياء ـ فقال: على الخبير سقطت، يَعنى نفسه، وذكر تمام الحديث، ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وكلها محمولة على ذكرنا.