مدار التفضيل والتشريف في الإسلام على الإيمان والتقوى لا على الأحساب أو الأنساب أو الأموال ، وفي حجة الوداع خطب الرسول ﷺ في الحضور قائلا :” لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى”.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد:
لقد عرفت المجتمعات البشرية أنماطا مختلفة من الطبقيّة الاجتماعية كما كان في بعضها طبقة الأمراء وطبقة الجنود وطبقة المزارعين وطبقة العبيد وانبنى على ذلك كثير من الظّلم والاستعباد والقهر والتسخير وأكل حقوق النّاس ، أمّا شريعة الله تعالى فإنّها لا تعرف هذا مطلقا بل تساوي في الحقوق بين الغنيّ والفقير والشّريف والوضيع والأساس.
والأصل الذي يحصل بناء عليه التفاوت والتفاضل بين الناس في الإسلام هو:
–المذكور في القرآن الكريم في سورة الحجرات في قوله تعالى : ( يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات/13.
–وقول الرسول ﷺ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى … ) رواه الإمام أحمد 22391 وهو في السلسلة الصحيحة 2700
وهذه هي القاعدة التي يقوم عليها المجتمع في الإسلام ، وهذا المجتمع الإنساني العالمي الذي تحاول البشرية في خيالها المحلّق أن تحقق لوناً من ألوانه فتخفق لأنها لا تسلك إليه الطريق الواحد الواصل المستقيم .. الطريق إلى الله عز وجل .. ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمِّعة .. راية الله تعالى .
إن الناس يعيشون في الأرض ، ويرتبطون فيما بينهم بارتباطات شتى ، كلها ذات وزن وذات جاذبية في حياتهم … فيها النسب ، وفيها القوة ، وفيها المال ، وفيها ما ينشأ عن توزيع هذه القيم من ارتباطات عملية .. اقتصادية وغيرها .. تتفاوت فيها أوضاع الناس بعضهم بالنسبة لبعض فيصبح بعضهم أرجح من بعض في موازين الأرض .. ثم يجيء الإسلام ليقول : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فيضرب صفحاً عن كل تلك القيم الثقيلة الوزن في حياة الناس ، ويبدّل هذا كله بتلك القيمة الجديدة المستمدة مباشرة من الوحي ، المعترف بها وحدها في ميزان الله عزّ وجلّ ، ألا وهي تقوى الله تعالى والتي تتمثّل في عبادته وحده لا شريك له ولا ولد ولا ندَّ له ، وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ابتغاء مرضاته سبحانه وجناته وخوفاً من سخطه ونيرانه . والله بصير بالعباد.