مجمل أحكام الأضحية ، مما يحتاج إليه المثقف العادي، الذي ليس من أهل التخصص، ونبين مواطن الإجماع والخلاف، مرجحين بين الأقوال متى كان للترجيح موجب من تدليل أو تعليل، وقد استقينا هذه المعلومات من كتاب الدكتور حسام الدين عفانه -من علماء القدس الشريف- عن الأضحية ، وكذلك ما كتبه الشيخ ابن العثيمين  في الموضوع.

تعريفه الأضحية : اسمٌ لما يُذكى من الأنعام تقرباً إلى الله تعالى  في أيام النحر بشرائط مخصوصة .

وهي مشروعة باتفاق الفقهاء.

ولم يصح في فضلها حديث، وقد قال ابن العربي المالكي :[ ليس في فضل الأضحية حديثٌ صحيحٌ ، وقد روى الناس فيها عجائب لم تصح ، منها قوله :( إنها مطاياكم إلى الجنة ) ] وليس معنى ذلك أنه ليس لها فضل، ولربما كان ترك تحديد فضلها دليلا على عظمه.

حكم الأضحية:

اختلف العلماء في حكم الأضحية، فأكثر الفقهاء على أنها سنةٌ مؤكدةٌ في حق الموسر، وذهب بعض الفقهاء- ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية– إلى وجوبها في حق الموسر، واستثنى بعضهم من الوجوب المسافر، واستثنى بعضهم الحاج.

ومن أقوى ما استدل به الموجبون ما رواه أحمد وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من وجد سَعَةً فلم يضح فلا يقربنَّ مصلانا ) فلا ينبغي للموسر ترك الأضحية بعد هذا التهديد النبوي.

وجمهور أهل العلم ، بما فيهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد  وربيعة وأبو الزناد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم على أن الأضحية أفضل من التصدق بثمنها

حتى روى عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال :[ لأن أضحي بشاة أحب إليَّ من أن أتصدق بمئة درهم ] وفي مقابل ذلك وجد من رأى العكس. والأول هو الأرجح.

ما هو ضابط القدرة لمن يريد أن يضحي:

اختلف العلماء في ضابط اليسار اختلافا يسيرا، فيرى الحنفية أن الأضحية لا تجب إلا على من تجب عليه الزكاة -وهو من عنده نصاب الزكاة (85) جراما من الذهب الخالص- فائضا عن حوائجه الأصلية وحوائج من يعول من مسكن وكسوة وطعام.

ويرى المالكية أن الأضحية لا تسن في حق الفقير الذي لا يملك قوت عامه، وتشرع بحيث لا تجحف بمال المضحي، بأن لا يحتاج لثمنها في ضرورياته في عامه، فإن احتاج فهو فقير، وقالوا إن من ليس معه ثمن الأضحية فلا يتسلف ليضحي.

وقال الشافعية تشرع الأضحية في حق من ملك ثمنها فاضلاً عن حاجته وحاجة من يمونه في يومه وليلته وكسوة فصله، أي ينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق.

وأما الحنابلة فقالوا تشرع الأضحية في حق القادر عليها الذي يمكنه الحصول على ثمنها ولو بالدَّين، إذا كان يقدر على وفاء دينه .

وتجدر الإشارة إلى أن الحنفية هم الذين يوجبون الأضحية في حق الموسر؛ ولذلك شددوا في ضابط اليسار، وبقية المذاهب تراه سنة فوسعت في الأمر؛ إذ لا عقاب في تركها عندهم.

والذي رجحه الدكتور عفانه أن الأضحية مشروعة دون وجوب في حق الغني الذي يملك نصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية.

مم تكون الأضحية؟

ذهب جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم.

ويشمل ذلك الذكر والأنثى من النوع الواحد، وكذا الخصي والفحل، والمعز نوع من الغنم، والجاموس نوع من البقر.

ونقل عن الحسن بن صالح – من فقهاء السلف المتقدمين – أن بقرة الوحش والظبي تجزئ في الأضحية.

وقال ابن حزم :[ والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله ].

ولا خلاف بين العلماء في أنه لا يجزيء في الأضحية شراء لحم وتوزيعه على الناس، فلا تكون الأضحية إلا بإراقة الدم.

شروط الأضحية المجزئة:

مضى معنا أنه لا بد أن تكون الأضحية من الأنعام على ما ذهب إليه جماهير أهل العلم، فهل تصلح الأنعام جميعا للأضحية؟ والجواب أنه لا بد لها من شروط :

1- أن تبلغ سن التضحية، وهو المعبر عنه بالثني، وذلك لحديث جابر عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن)

وجمهور العلماء- ومنهم المذاهب الأربعة وغيرهم- على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه. ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه .

وخالف الأوزاعي فرأى أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والضأن والمعز، ونقل هذا عن عطاء  .

والثني يختلف من نوع لآخر في الأنعام، فأقل ما قيل في ثني البقر والجاموس  (أنه ما أتم سنتين) وبعضهم جعله من أتم سنتين ودخل في الثالثة، وبعضهم جعله من أتم ثلاث سنوات.

وأقل ما قيل في ثني الإبل أنه ما أتم خمس سنين، وكثير منهم اشترط دخوله في السنة السادسة.

وأما الضأن، فأقل ما قيل في تعريف الجذع منه أنه ما بلغ ستة أشهر، خاصة إذا كان عظيما كابن السنة، وهو قول الحنفية، وقريب منه مذهب الحنابلة، بينما رأى المالكية والشافعية أن جذع الضأن ما أتم سنة.

وأقل ما قيل في الثني من المعز أنه ما أتم سنة، وبعضهم جعله ما أتم سنتين.

إذن فأقل ما يجزئ في أعمار الأنعام (ابن ستة أشهر من الضأن، وابن السنة من المعز، وابن السنتين من البقر والجاموس، وابن الخمس من الإبل) وهذه الأعمار يجب مراعاتها حتى في العجول المسمنة.

2- أن تكون سليمة من العيوب المانعة؛ لا يجزئ في الأضاحي ما يلي :

أولاً : العوراء البين عورها[1]، ومن باب أولى العمياء .[2]

ثانياً : المريضة البين مرضها .

ثالثاً : العرجاء البين عرجها ، ومن باب أولى مقطوعة الرجل .

رابعاً : الكسير التي لا تنقي ، وهي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال .

والمرض الخفيف لا يضر ، وكذا العرج الخفيف الذي تلحق به الشاة الغنم لقوله صلى الله عليه وسلم البين مرضها، والبين عرجها وكذا ما كان فيها هزال خفيف .

والمرض البين هو المفسد للحم والمنقص للثمن؛ فلا تجزئ كما لو كانت جرباء أو كان بها بُثُورٌ وقروح. وكذا العجفاء التي لا تنقي، فالعجف فرط الهزال المذهب للَّحم.

والتي لا تنقي أي لا مخ فيها لعجفها.

وهذه الأمراض الأربعة لا خلاف في وجوب تجنبها في الأضحية .

صفات مختلف فيها :

لا بأس بالسكاء – وهي صغيرة الأذن-  وأما التي خلقت بلا أذنين أو بأذن واحدة فالجمهور على عدم الإجزاء بها ، وأجازها الحنابلة .

والمُقَابَلَةُ: وهي التي قطع من مقدم أذنها قطعة، كرهها الجمهور، وأجازها الحنفية دون كراهة، ومثلها في الحكم المدابرة: وهي ما قطع من مؤخر إذنها قطعة وتدلت.

ومن اشترى أضحية سليمة فتعيبت قبل الذبح فالراجح أنه يجوز أن يذبحها ولا يضرها ما أصابها.

الاشتراك في الأضحية:

ذهب جمهور الفقهاء- وهو الراجح- إلى أن الشاة تجزيء عن أهل البيت الواحد مهما كثر عددهم؛ فبالشاة الواحدة تتأدى السنة، ويثبت الأجر للجميع. وخالف في ذلك الحنفية.

ولا يجوز أن يشترك أكثر من شخص في شاة واحدة، بحيث يشتركون في ثمنها، ولا بأس أن يستقل واحد بثمنها ويدخل من شاء معه في الثواب.

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة. وذهب بعض أهل العلم إلى أن البدنة تجزئ عن عشرة. أي يشترك هؤلاء في ثمن البقرة أوالبدنة ولا بأس، فلا ينقص نصيب الفرد الواحد عن سبع بقرة أو عشر بدنة.

واختلف العلماء في أي أنواع الأنعام أفضل، والراجح أن ألأفضل في الأضحية الغنم ثم الإبل ثم البقر، والأفضل في كل نوع الأسمن.

ما يطلب ممن أراد الأضحية :

ثبت في صحيح مسلم من حديث سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً )

فذهب بعض العلماء إلى أن المضحي رجلا كان أو امرأة يحرم عليه أخذ شيء من شعره أيا كان موضعه أو ظفره، ورأى آخرون أن هذا مكروه فقط، وذهب آخرون إلى الجواز، والذي رجحه الدكتور حسام عفانه الرأي الأول.

وهذا النسك خاص بمن يشتري الأضحية، ولا يتعداه إلى أهل بيته.

والحكمة في النهي أن يبقى المضحي كامل الأجزاء ليعتق من النار.

اجتماع الأضحية والعقيقة:

إذا اجتمعت الأضحية والعقيقة، كأن أراد شخصٌ أن يعقَ عن ولده يوم عيد الأضحى، أو في أيام التشريق، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، والجمهور على عدم الإجزاء، وهو ما رجحه الدكتور عفانه.

وقت الأضحية:

لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة العيد[3]، فبداية الذبح تكون بعد الصلاة، وزاد المالكية أن البداية تكون بعد أن يذبح إمام الصلاة أضحيته، ورأي الجمهور أرجح.

وفي آخر وقت الذبح خلاف، فالجمهور على أنه غروب ثالث أيام العيد، فأيام الذبح على هذا يوم العيد ويومان بعده، وزاد الشافعي يوما على ذلك، فآخر الذبح غروب رابع أيام العيد، فأيام الذبح على هذا يوم العيد وثلاثة أيام بعده -وهو الراجح-. وجاء عن بعض السلف أن شهر ذي الحجة كله صالح للذبح. كما ذهب آخرون إلى أن الذبح يكون يوم العيد فقط.

ولا بأس بالذبح  ليلا أو نهارا على الراجح في هذه الأيام، وإن كان المالكية منعوا الذبح ليلا.

ضياع الأضحية أو موتها :

إذا اشترى شاة للتضحية بها ، فضَلَّت أو ماتت فلا شيء عليه في الراجح من أقوال أهل العلم.

هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، أن الأضحية المنذروة إذا فات وقتها قضاها، بمعنى ذبحها وصنع فيها كما يصنع في الأضحية في الوقت.

وإذا فات وقت الأضحية، ولم يضح الإنسان – وكان قد اشترى أضحيته- فالراجح : أن الأضحية المنذروة إذا فات وقتها قضاها، بمعنى ذبحها وصنع فيها كما يصنع في الأضحية في الوقت وأما المسنونة، فإن فات الوقت، فهو بالخيار إن شاء ذبحها، وكانت شاة لحم، وتصدق بما شاء منها، وإن شاء حبسها للعام التالي، فإن ذبحها في العام التالي كانت أضحية عن ذلك العام الذي ذبحت فيه، ولم تكن عن العام السابق الذي فاتت فيه.

وقد تكلم الفقهاء فيما ينتج عن الأضحية ( صوفها ولبنها وما تلده) فأوجب بعضهم الصدقة باللبن والصوف، وأما الولد فيذبح أو يتصدق به، واستحب ذلك آخرون دون إيجاب، وهو ما رجحه الدكتور عفانه.

ما يصنع بالأضحية :

أضيق المذاهب في هذا المذهب الظاهري، فهم يرون أنه يجب على المضحي أن يأكل وأن يتصدق منها، دون تحديد لمقدار كل، والجمهور على أن للمضحي أن يصنع بها ما يشاء، يأكل ما يشاء، ويتصدق بما شاء ويهدي ما شاء، وبعضهم استحب تقسيمها أثلاثا، وبعضهم نصفين، وبعضهم استحب التصدق بها جميعا إلا لقمات منها، والأمر في ذلك كله واسع، وثواب الأضحية يحصل بمجرد الذبح، ولا شك أن الأكل والصدقة ليسا سواء في الأجر!!

ولا يجوز للمضحي أن يبيع شيئا من أضحيته، كما لا يجوز أن يعطي الجلد للجزار عوضا عن ذبحه، أو إرضاء له حتى لا يشاححه في الأجرة، وفي الحديث :(من باع جلد أضحيته فلا أضحية له)

ومن اشترى أضحية، فالراجح أنه يجوز له أن يبدلها بخير منها –إن أحب- ، لا بأقل ولا مثلها.

مكان الأضحية وحكم نقلها :

وقد اتفق العلماء على أن محل التضحية هو محل المضحي، سواء كان بلده أو موضعه من السفر.

ولا بأس بنقل الأضحية إلى غير بلد المضحي إذا كان يريد نقلها إلى بلد أحوج من بلده، كما يفعل الناس مع إخواننا من أهل فلسطين.

متى تتعين الأضحية ؟

يقول الشيخ ابن  العثيمين- رحمه الله -:-
تتعين الأضحية بواحد من أمرين:-
أحدهما: اللفظ بأن يقول: هذه أضحية. قاصداً إنشاء تعيينها، فأما إن قصد الإخبار عما يريد بها في المستقبل فإنها لا تتعين بذلك؛ لأن المقصود به الإخبار عما سيفعل بها في المستقبل لا إنشاء تعيينها.
الثاني: الفعل وهو نوعان: –

أحدهما: ذبحها بنية الأضحية، فمتى ذبحها بهذه النية ثبت لها حكم الأضحية.

ثانيهما:شراؤها بنية الأضحية إذا كانت بدلاً عن معينة، مثل أن يعين أضحية فتتلف بتفريط منه فيشتري أخرى بنية أنها بدل عن التي تلفت فهذه تكون أضحية بمجرد الشراء بهذه النية؛ لأنها بدل عن معينة، والبدل له حكم المبدل. أما إذا لم تكن بدلاً عن معينة فإنها لا تتعين بالشراء بنية الأضحية، كما لو اشترى عبداً يريد أن يعتقه فإنه لا يصير عتيقاً بمجرد الشراء، أو اشترى شيئاً ليجعله وقفاً فإنه لا يصير وقفاً بمجرد الشراء، فكذلك إذا اشترى بهيمة بنية أنها أضحية فلا تكون أضحية بمجرد ذلك.

[1]- ولا بأس بالعشواء: وهي التي تبصر نهاراً ولا تبصر ليلاً. وكذلك تجزيء الحولاء والعمشاء ومن كان في عينها بياض.

[2]-  وخالف الظاهرية فأجازوا الأضحية بالعمياء ، وقصروا المنع على العوراء!

[3] – على أن بعض العلماء رخص لمن لا تجب صلاة العيد عليه من أهل البادية أن يذبح بعد الفجر.