ليس هناك نص صحيح يبين مدة حمل السيدة مريم ـ عليها السلام ـ بسيدنا عيسى ـ عليه السلام ـ ، يقول القرطبي في تفسيره: وهذه القصة تقتضي أنها حملت واستمرت حاملاً على عُرف النساء، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر، وقيل لتسعة وقيل لسنة، والله أعلم.
وجاء في تفسير ابن كثير لسورة مريم مثلاً هذه الأقوال، وأن الجمهور على أنها حملت به تسعة أشهر، ثم ذكر أن ابن عباس سُئل عن حبل مريم فقال: لم يكن إلا أن حملت فوضعت، ثم قال: وهذا غريب، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى: (فحملْتهُ فانْتَبَذت به مَكَانًا قَصَيا . فأجاءهَا المَخَاضُ إلى جِذْعِ النَّخلة) فالفاء وإن كانت للتعقيب ـ أي عدم التراخي ـ ولكن تعقيب كل شيء بحسبه، كما قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سُلالة من طين . ثم جعلناه نطفةً في قرار مكينٍ . ثم خلقنا النطفَةَ علقةً . فخلقنا العَلَقةَ مُضغةً . فخلقنا المُضغةَ عظامًا) (سورة المؤمنون : 12ـ 14) فهذه الفاء للتعقيب بحسبها.
وقد ثبت في الصحيحين أن بين كل صفتين أربعين يومًا، وقال تعالى: (ألَمْ تر أن اللهَ أنزلَ من السماءِ ماءً فتصبحُ الأرضُ مُخضرةً) (سورة الحج : 63) فالمشهور الظاهر ـ والله على كل شيء قدير ـ أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن، ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها، وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس، يُقال له يوسف النجار، فلما رأى ثقل بطنها وكبره وأنكر ذلك منها، ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها، ثم تأمل ما هي فيه فجعل أمرها يجوس في فكره، لا يستطيع صرفه عن نفسه فحمل نفسه على أن عرض لها في القول: فقال: يا مريم إني سائلك عن أمر فلا تعجلي عليَّ قالت: وما هو؟ قال: هل يكون قط شجر من غير حَب؟ وهل يكون زرع من غير بذر؟ وهل يكون ولد من غيْر ؟ فقالت نعم ـ فهمت ما أشار إليه ـ أما قولك “هل يكون شجر من غير حَب، وزرع من غير بذر” فإن الله خلق الشجر والزرع وأول ما خلقهما من غير حب ولا بذر “وهل خُلق ولدٌ من غير أب” فإن الله خلق آدم من غير أب ولا أم، فصدقها وسلم لها حالها، انتهى ما قاله ابن كثير، والله أعلم بصحة هذه المحاورة بين مريم ويوسف النجار، ولكن موضوعها صحيح فيما أجابت به مريم على أسئلته.
ومهما يكن من شيء، فإن هذا لا نُكلَّف به كعقيدة ، وهو مُدة حملها، والمهم أنها ولدته من غير زواج ولا طريق آخر، كما نصت عليه آيات القرآن الكريم.