معروف أن فضل قراءة القرآن وحفظه فضل عظيم، يكفي في بيان ذلك قول النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري:” خيركم مَن تعلّم القرآن وعلَّمه ” وقوله فيما رواه مسلم:” اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابِه “وقوله فيما رواه الترمذي وأبو داود بسند صحيح ” يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” وقد بيَّن النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري ومسلم أن ما يحفظ من القرآن معرّض للنِّسيان فقال:” تعاهَدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدُّ تفلُّتا من الإبل في عُقلها” يعني إذا لم يحكم حفظه تفلّت كالبعير الذي لم يحكم ربطه بالعِقال، ولذلك حذّر من نسيان ما حفظ منه فقال فيما رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه:” وعرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن ـ أو آية ـ أوتيها رجل ثم نسيها”.

لكن حمل بعض العلماء النِّسيان هنا على ترك العمل لأن الإنسان بطبيعته معرّض لنسيان ما يحفظ، سواء أكان من القرآن أم من غيره، ولأن التحذير لو كان من مجرد نِسيان ما يحفظ لقال الشخص: الأسلم ألا أحفظ شيئًا حتى لا أتعرّض للعقاب إن نَسِيتُ، وهذا فيه صرف للناس عن القرآن.

ومهما يكن من شيء فإن الواجب هو المجاهدة للإبقاء على ما يحفظ وذلك بمداومة التلاوة ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً ففي التلاوة ثواب على الحرف بعشر حسنات، وفيها تقويم للسان بالعربيّة، وتفقُّه في الدين، وقد جاء في المأثور أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أوصَى من شكا إليه نسيان ما يحفظه من القرآن بأن يصلِّيَ أربع ركعات ليلة الجمعة ببعض سور من القرآن ثم يدعو بدعاء مخصوص ففعل ذلك، فثبت الله في قلبه ما كان يحفظه، وهو حديث طويل رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم ، ورواه لحاكم وقال: صحيح على شرطهما. قال الحافظ المنذري ” الترغيب ج2 ص139 “: طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدًّا.