قال الله تعالى ( فِي بُيوتٍ أَذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ والآَصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وإِقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكَاةِ “(سورة النور : 36 ، 37).
المساجد بيوت للعبادة يجب أن يحافَظ فيها على الهدوء لتمكين المتعبِّدين من الخشوع، وأن تُصان عن العبث واللهو احترامًا لقدسيّتها، وقد ثبت أن الملائكة تُحِبُّ التردُّد على المساجد والأماكن التي يذكر فيها الله ويقرأ القرآن ويدرس العلم، وأنهم يرتاحون إلى الرائحة الطيبة ويَنفرون من الرائحة الكريهة، وإذا حضروا حضرتْ معهم الرحمة والبركة وإذا انصرفوا شهدوا عند ربِّهم بالخير لهؤلاء المتعبِّدين.
وأما النوم في المسجد فقد جاء في الصحيحين أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ رُؤِيَ مستلقيًا فيه واضِعًا إحدى رجليه على الأخرى، كما صح أن عمر وعثمان كانا يستلقيان أحيانًا بالمسجد النبوي، وروى البخاري وغيره أن ابنَ عمر كان ينام في المسجد النبوي وهو عَزَبٌ ومعه بعض الشُّبّان ينامُون ليلاً ويَقيلون وقت الظهيرة، كما أخرج البخاري أن عليًّا ـ رَضِيَ الله عنه ـ غاضَب فاطمة رَضِيَ الله عنها فذَهب إلى المسجد ونام، وسقط رداؤه عن وأصابه تراب، فجعل النبي يسمحه ويقول:” قُمْ أبا ترابٍ” وكان في المسجد النبوي صُفّة، أي مكان مظلّل يَأوِي إليه المساكين، وينزل فيه ضيوف الرسول، كما صحَّ في البخاري ومسلم أن النبيَّ ـ ﷺ ـ ضرب قُبّةً ـ أي خيمةً ـ في المسجد على سعد بن معاذ لمّا أصيب يوم الخندق ليُمرَّض فيها، وأنه جعل خيمة في المسجد للمرأة السوداء التي كانت ترفَع القمامة منه، ولما أسِر ثمامة بن أثال، وهو مُشرك، رُبِطَ مدة بسارية في المسجد النبوي.
وبناء على هذه الروايات ذهب جمهور العلماء إلى جواز النوم في المسجد، وإذا جاز للكافِر فجوازه للمسلم أولى، لكن ابن عباس كرهَ النوم في المسجد إلا لمَن يستريح وقتًا للاستعداد للصلاة، لكن ابن مسعود كره النوم فيه مطلقًا، والإمام مالك أباح النوم في المسجد لمن ليس له مسكن، أما مَن له مسكن فيُكرَهُ نومُه في المسجد.
هذه هي الآراء في حكم النوم، لكن ينبغي أن يُصانَ المسجد عن الروائح الكريهة التي تطرد الملائكة، وعن التضييق على المصلِّين، كما ينبغي التحرُّز عن تعرض العورات للانكشاف، وخلاصة الموضوع أن النوم في المسجد ليس حرامًا، لكنه مكروه، إن ترتَّب عليه تشويشٌ أو تضييق، وليس مكروهًا عند الحاجة كالاعتكاف، والراحة اليسيرة، وعدم وجود مسكن.