الحسد بالعين حقيقة ملموسة لا يُنكرها أحد. وهي ظاهرة موجودة من قديم الزمان. وإن عَجَز بعض الناس عن تفسيرها تفسيرًا علميًّا، وقد صحَّ عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال: “العيْن حق، ولو كان شيء سابق القدَر لسَبقَته العيْن” رواه مسلم . وقد اتَّخذ النبي ـ ﷺ ـ لها إجراء وقائيًّا وإجراء علاجيًّا، فقد ورد عن أبي سعيد أن النبي ـ ﷺ ـ كان يَتعوذ من الجانِّ وعيْن الإنسان. كما روى الترمذي وصحَّحه أن أسماء بنت عُمَيْس قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تُصيبهم العين، فأَسترْقى لهم؟ فقال: “نعم، ولو كان شيء يَسبق القضاء لسبقتْه العيْن.
وجاء في سنن أبي داود عن عائشة قالت: كان يُؤمَر العائن فيَتوضأ ثم يَغتسل منه المُعين، وروى مالك أن عامر بن ربيعة رأى سهل بن حُنَيف يَغتسل، فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة. قال: فلَبِط سهل، فأتى رسول الله ـ ﷺ ـ عامرًا فتَغيَّظ عليه وقال “علام يَقتل أحدكم أخاه، إلا برَّكت، اغتسِل له” فغَسَل له عامر وجهه ويده ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه داخلة إزاره في قدح، ثم صَبَّ عليه، فراح مع الناس.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه “زاد المعاد ج 3 ص 116″ عدة أحاديث في هذا الموضوع، وعلق عليها بقوله: “أبطلتْ طائفة ممن قلَّ نصيبهم من السمع والعقل أمْر العيْن، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابًا، وأكثفهم طباعًا، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها.
وعقلاء الأمم على اختلاف مِلَلهم ونِحَلهم لا تَدفع أمر العين ولا تُنكره وإن اختلفوا في سببه ووجهة تأثير العين.
ثم ذكر ابن القيم وجهات نظر مختلفة وتفسيرات لكيفية الإصابة بالعين، منها قوله: إن العائن إذا تكيَّفت نفسه بالكيفية الردئية انبعثتْ من عينه قوة سُمِّيَّة تتصل بالمَعين، فيَتضرر. قالوا: ولا يُستنكر هذا، كما لا يُستنكر انبعاث قوة سمية من الأفْعى تتصل بالإنسان فيَهلك. وهذا أمْر قد اشتُهِر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هَلَك، فكذلك العائن.
ثم قال : وهو يَلتقِى مع قول النبي ـ ﷺ ـ في الأبتر وذِى الطُّفيتين من الحيات أنهما يَلتمسان البصر ويُسقطان الحبل .ويؤمن ابن القيم بذلك حتى قال: إن نفْس العائن لا يَتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى فيُوصف له شيء فتؤثِّر نفسه فيه وإن لم يَرَه.
وذَكَر ابن القيم علاج الإصابة بالعين مُستوحًى من الأحاديث النبوية، مع أدعية واردة تُفيد في هذا الموضوع، وأفاض في بيان تأثير العلاج النبوي بالماء الذي اغتسل به العائن بما لا يَدَع مجالاً للشك في أهميته، فيرْجِع إليه لمن شاء.
هذا، والأبحاث النفْسيَّة الحديثة لا تُنكر أثَر العيْن، بل أثر القُوَى الأخرى، وهي تُثبت صدْق الرسول ـ ﷺ ـ في قوله، وأثَر الاستعاذة والتحصُّن في تقوية الرُّوح لتَدفع خطر العين.