أُثر عن الحسن البصري أنه قال: ليس الإيمان بالتمنِّي، ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا: نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل.
إن هذا الأثر ليس حديثًا مرفوعًا إلى النبيِّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كما قال المحقِّقون، وإنّما هو من كلام الحسن البصري، ومعناه صحيح، وهو أن الإيمان الذي يكرّم الله به المؤمن، ويُنجيه من النار ليس مجرّدَ كلمة يقولها بلسانه دون عمل، وليس أمنية يتمنّاها ترفع بها درجته عند ربّه، فما أهون الكلام المجرّد عن عمل يصدقه، وما أكثر الأمانيَ عند المُفلسين من كنز العمل الصالح وهذا يلتقي مع الحديث:” الكَيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني” رواه الطبراني وأحمد والترمذي وقال: حسن. ” الجامع الصغير للسيوطي”.
لو أحسن هؤلاء الظَّنّ بالله، لاستعدوا للقائه بالعمل الصالح الذي أمرَهم به، فهو القائل ( وقُلِ اعْملُوا فسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والمُؤمنونَ وستُردُّونَ إلى عالِم الغَيْبِ والشّهادةِ فيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعملونَ) (سورة التوبة : 105) وقد حدث أن بعض أهل الكتاب تناقشوا مع بعض المؤمنين، كل يدَّعِي أن الفضل له دون الآخر، فنزل قوله تعالى:( لَيْسَ بِأمَانِيِّكُمْ ولاَ أَمانِيِّ أَهْلِ الكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ولاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا ولاَ نَصيرًا ومَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يدخُلونَ الجَنّة ولا يُظْلَمُونَ نَقيرًا) (سورة النساء : 123 ، 124) .
فالمدار كلّه على العمل المبنيِّ على الإيمان وحسن الظّن بالله، ولا يغترّ أحد بما يقول بعض الشعراء:

قَدِمْتُ عَلَى الكَرِيمِ بِغَيْرِ زَادٍ
سِوَى الإخْلاصِ والقَلْبِ السَّليمِ
فحَمْلُ الزّادِ أَقْبَحُ مَا يَكونُ
إذَا كَانَ القُدومُ عَلَى كَريمِ
فالإفراط في الرّجاء الذي ينفي الخوف يُسلم إلى الكسل وركود الحياة، وعلماء التوحيد يقولون:
وغُلِّبَ الخَوفُ عَلَى الرّجاءِ
وسِرْ لِمَوْلاكَ بِلا تَنائي
“انظر : فيض القدير على الجامع الصغير للمناوي رقم 7570 وتفسير القرطبي ج 10 ص 60 “.