يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
دعوة غير الله تعالى شرك ونعني بها اللجؤ إلى غيره في طلب ما وراء المساعدة والمعاونة الكسبية التي تكون بين الناس عادة : [ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ]( الجن : 18 ) وقد أمر الله نبيه أن يبين للناس عمل الرسل ووظيفتهم بقوله : [ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً * قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَراًّ وَلاَ رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلاَّ بَلاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ … ]( الجن : 20-23 ) إلخ ، قال البيضاوي وغيره في تفسير قوله : [ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا ]أي : لا ضرًّا ولا نفعًا ولا غيًّا ولا رشدًا ( عبّر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارًا بالمعنيين ) ، أو هذا هو الذي يسميه البُلغاء ( الاحتباك ) ومنه قوله تعالى : [ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً ]( الإِنسان : 13 ) ؛ أي : شمسًا ولا قمرًا ولا حرًّا ولا زمهريرًا ، وقالوا في قوله [ إلا بلاغًا ]: إنه استثناء من قوله : ( لا أملك ) ؛ أي : لا أملك إلا التبليغ والله الفاعل المؤثر الذي ينفع الناس ويرشدهم بالفعل ، وهذه الآية بمعنى قوله تعالى : [ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ]( فصلت : 6 ) وما في معناها من آيات حصر وظيفة الأنبياء في التبليغ وقد شرحنا المقام مرارًا كثيرة .
وأما الحديث فقد جاء في كتاب ( اللؤلؤ المرصوع ) ، فيه ما نصه : حديث ( لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه ) موضوع، كما قاله ابن تيمية ، وقال ابن الجوزي : هو من كلام عُبّاد الأصنام .
ومن أعجب العجائب أن أمة التوحيد قد فشا فيها هذا الحديث المفترى منذ فشت فيهم نزغات الوثنية ودعاء غير الله حتى إن كل عامي يحفظه ، ولما نبهنا على وضعه في درسنا العام في المسجد الحسيني وبينا فساد الاحتجاج به قام بعض السدنة لتلك الهياكل يغري العامة بالقول بأننا نفسد لهم دينهم أن قلنا – في عمود الرخام الذي في المسجد يتمسح به الناس ويلتمسون نفعه – : إنه لا ينفع في الحقيقة ولا يضر وأن النافع الضار هو الله وحده ولكنه جعل للنفع والضر أسبابًا وهدانا لاجتناب الضار واجتلاب النافع بما وهب لنا من العقل والحواس والدين ، وعَمَّ اللغط بذلك ، حتى نصرنا الله رب العالمين .