جاء في التعليق على “المُنتخب في تفسير القرآن الكريم” الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوَزَارَة الأوقاف المصرية “ص 145” عند تفسير قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (سورة المائدة : 3) في بيان الحِكْمَة في تَحْرِيم أَكْل لَحْمِ الخنزير أنه مُعَرَّض للإصابة بعدد كبير من الطُّفيليات التي تصيب الإنسان، وأهمها:
1 ـ الحيوان الأولى الهَدبى المُسمى “الأنتديوم كولاى” المُسَبِّب للزحار ومصدره الوحيد للإنسان هو الخنزير، ويكاد يكون مَرَضًا مهنيًا لا يصيب سوى المشتغلين بتربية الخنزير وذَبْحه وبَيْع لَحْمِهِ.
2 ـ الوَشَائع الْكَبدية والمَعوية في الشرق الأقصى، وخاصة وَشِيعة الأمعاء الكبيرة “فاسيلوبس بوسكاى” الواسعة الانتشار في الصين، ووشائع الأمعاء الصغيرة التي تُصيب الإنسان في البِنْغال وَبُورْمَا وآسام، ووشِيعة الكبد الصينية “كلورنوكس سينتسز” المُنتشرة في الصين واليابان وكوريا على الخصوص، ويُعتبر الخِنْزير العائِل الخازِن الرئيسي لهذه الطفيليات، وخاصة الديدان الأولى التي تُنطلق فيه لتقضي دورة حياتها في عوائلها الأخرى حتى تُصيب الإنسان، ومن ثم فمقاومتُها في الإنسان وحده لا تكفي.
3 ـ دودة لحم الخنزير الشريطية “تيناسوليوم” والدورة الطبيعية لها أن تنتقل بويضاتها من الإنسان إلى الخنزير، حيث تكون أَجِنَّتُهَا ديدانًا مَثانية في لَحمه، ثم تنتقل إلى آكِل هذا اللَّحم فتنمو الدودة الشريطية البالِغة في أمعائه وهكذا، وهذه إصابة غيرُ خطيرة في المُعتاد وتُشبه في ذلك دودة لحم البقر الشريطية “تنياسا جيناتا” ولكن دودة لحم الخنزير تنفرد دون دودة لحم البقر بخصائص تُؤهلها لانعكاس هذه الدودة انعكاسًا جزئيًا.
أما ابتلاع الإنسان للبُويضات بيده المُلوَّثة، أو مع طعامه المُلوث أو بارتداد قِطَع الدُّودة المُثقلة بالبيض أو البيض نفسه من الأمعاء إلى المَعِدة، حيث يفقس وتنتشر الْيَرَقَاتُ في عَضَلاتِ المُصاب، مُسَبِّبة أعراضًا شديدة، كثيرًا ما تكون قاتلة إذا ما أصابت المُخ أو النُّخاع الشوكي أو القلب أو غيرها من الأعضاء الرئيسية، والإصابة بهذه الدُّودة ومُضاعفاتها الخطيرة لا تكاد تُعرف في البلاد الإسلامية ، حيث يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمِ الْخِنْزِير.
4 ـ الدودة الشعرية الحَلزونية “تريكتيلا سبيرالس” وأَعْرَاضُهَا الْخَطيرة مُتَرتبة عَلَى انتشار يَرَقَاتِهَا في عضَلات الْجِسْمِ، وأَعْرَاضُ الإصَابَةِ بها شديدة مُتنوعة، منها اضطرابات معوية وآلام روماتيزمية وصعوبة التنفس والتهاب المُخ والنُّخاع الشوكي والأمراض العصبية والعقلية المُترتبة على ذلك التَّسمم، وفي الإصابات القاتلة تحدث الوفاة بين الأسبوعين الرابع والسادس في مُعظم الأحوال.
والخِنزير هو المصدر الوحيد لإصابة الإنسان بهذا المرض الوبيل إلا في المناطق القُطبية الشمالية، ومواطن المرض هي أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية.
والمحاولات المُضنية لتجنُّب هذا البلاء بتربية الخنازير بطريقة صحية وفحص ذبائحها ومعالجة لحومها بوسائل باهظة التكاليف غير مُجدية من الناحية العملية، ويكفي في الدلالة على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية بها ثلاثة أمثال عدد الإصابات في العالم أجمع، وأن مُتوسط نسبة الإصابة في ولاياتها المُختلفة هو 16% مع الوثوق بأن هذا الرقم أقلُّ من الحقيقة كثيرًا، وأن نِسْبَة إصابة الخنزير به بين 5%، و27%.
ويُزاد عَلَى هَذَا كُلِّه أن دهن الخنزير مُخْتلف تمامًا في درجة تشبُّعه عن الزيوت والدُّهون الحيوانية الأخرى فصلاحيته للغذاء موضع شك كبير، وينصح الأستاذ “رام” عالم الكيمياء الحيوية الدانمركي الحاصل على جائزة نوبل، بعدم المُداومة على تناوله، حيث ثبت بالتجربة أنه من أهم ما يُسبب حصى المَرارة وتصلُّب الشرايين وبعض أمراض القلب الأخرى.
هذا ما قاله أهل الذِّكر في ضرر الأكل من لَحْمِ الْخِنزير ، ومن هنا نطمئن كل الاطمئنان إلى حِكْمَة الله سبحانه في تحريم أَكْلِهِ، وَهَكَذَا تَكْشِف العلوم عن أسرار التشريع.