أعظم قدوة للطفل هم الوالدين، ينظر إلى الحياة بهما، ولا شيء عنده أعظم منهما، إن قالا هذا صواب فهو الصواب لا يشوبه خطأ، وإن خطّئا شيئا فهو خطأ، ونقصد بالقدوة ما يفعلانه ويقولانه ويعيشان به، وليس ما يقولانه له ويخالف فعلهما قولهما، فهو ليس آلة تنفذ الأوامر، بل إنسان يفهم ويشعر ويرى ويقلد، فالطفل مرآة والديه، فإن أردت زرع الصدق فيه فاصدق دائما في كل الشؤون، وتوقف عن الخطأ وافعل الصواب، تجده يتبعك بدون أن تقول حرفا واحدا، لذا أعظم ما يقدمه الوالدان أن يكونا صالحين متخلقين بأحسن الأخلاق.

ثم يبدأ الطفل حسب علمه ووعيه باتخاذ قدوات شتى، فينبغي للأب أن يعرف ولده بالأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد ، يعرفه سيرهم وقصصهم وأمجادهم وجهادهم وحياتهم، ليتخذهم الطفل قدوات ويهتدي بهديهم، كما يعرفه بالصحابة هذا الجيل الذي لا تبحث عن قدوة خيرة إلا وجدتها فيه.

ما هي أنواع التربية:

لكي نربي أولادنا على التربية الإسلامية الشاملة العميقة الأثر البعيدة المدى نحتاج إلى أربعة أنواع من التربية:

1- التربية الإيمانية: ويقصد بها ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان، وتعويده منُذ تفهمه على الإتيان بأركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة.

2- التربية الخُلقية: والمقصود بها مجموعة المبادئ الخُلقية والفضائل السلوكية التي يجب على ولي الطفل أن يعلمه إياها ويوجهه إليها ليعتاد عليها منذ تمييزه، وهذه الأخلاق مثل: الصدق والأمانة والإيثار والرجولة والشهامة واحترام الكبير … الخ ، وصيانته عما يُدنّس أخلاقه من السب والكذب والميوعة.

3- التربية الجسمية: ويقصد بها أن ينشأ الأولاد على قوة الجسم وسلامة البدن ومظاهر الصحة والحيوية.

4- التربية العقلية العلمية: وهي تكوين فكر الطفل وتثقيفه بكل ما هو نافع من العلوم الشرعية، والثقافية العلمية العصرية.

فهذه الأنواع الأربعة إذا أحسن الأب أو الوليُّ عموماً تربية الطفل عليها شيئاً فشيئاً متدرجاً متلطفاً متفهماً لحاجات واحتياجات الطفل في كل مرحلة من مراحل طفولته ومراهقته، فهي كفيلة بعد توفيق الله وهدايته أن تصنع شاباً صالحاً يخشى الله، ويسعى لإعلاء كلمته ونصرة أمته.

وينصح بتعلم فن التربية والاستفادة من تجارب الآخرين الناجحين فيها، وقراءة الكتب المتخصصة في التربية، مثل كتاب “تربية الأولاد في الإسلام” لعبد الله ناصح علوان.

أسس تربية الأبناء في الإسلام:

1- الرفق واللين:
جاءت الأحاديث النبوية ترشد إلى استعمال الرفق واللين في التعامل منها:
ما ورد عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ) رواه البخاري
والأولاد إذا أحبوا الوالد الرفيق كان هذا الحب دافعا قويا لهم لطاعة الوالد ، وبالعكس فغياب الرفق ، وحضور العنف والشدة ، يسبب النفور ، وبالتالي التمرد والعصيان ، أو سيطرة الخوف الذي يولد في الطفل الكذب والخداع .

2- التعامل بالرفق واللين لا ينافي استعمال العقوبة عند الحاجة إليها:

فيجب أن ننتبه إلى أنّ العقوبة في عملية التربية يجب أن تستعمل بحكمة ؛ فلا يصح أن نعاقب الولد على كل مخالفة يقوم بها ، بل تكون العقوبة ، حيث لا ينفع الرفق ، ولم يؤدبه النصح والأمر والنهي .
كما أن العقوبة يجب أن تكون مفيدة ، فمثلا من يعاني من قضاء أولاده لوقت طويل أمام التلفاز أو أجهزة الجوال، فيمكن أن يحدد لهم برامج لمشاهدتها ، تنفعهم ولا تضرهم غالبا ، وتخلو من المنكرات قدر الطاقة ؛ فإن تجاوزوا الوقت المحدد ، فيمكن أن معاقبتهم بحزم بحرمانهم من التلفاز أو الجهاز ليوم كامل ، وإن خالفوا مرة أخرى فيمكن أن حرمانهم منها لمدة أكثر من ذلك ، بحسب ما يحقق الغرض ، وينفع في الأدب .

3- القدوة الحسنة:
على الوالدين أن يلزموا أنفسهم أولا بالأخلاق التي يسعون إلى تأديب الأولاد عليها ، فلا يليق أن ينهى الوالد ولده عن شيء وهو نفسه يفعله.

4- البيئة الصالحة:

وهي البيئة التي تمدح الفعل الحسن وتحترم فاعله ، وتذم القبيح وفاعله . وفي عصرنا الحاضر كثيرا ما نفقد هذه البيئة الصالحة ، لكن نستطيع بالجهد والبذل البدني والنفسي والمالي أن نصنعها – إن شاء الله تعالى -.

وفي الختام: على الوالدين ملازمة الدعاء خاصة في أوقات الإجابة كثلث الليل الأخير ، وأثناء السجود ، وما بين الأذان والإقامة، ويوم الجمعة ؛ فليكثروا من دعاء الله تعالى بأن يصلح الله أولادهم ، وأن يهديهم إلى الطريق المستقيم؛ فالدعاء للأولاد من صفات عباد الله الصالحين ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان ( 74 ) .