ذكر العلماء أن الملائكة تكتب الهم والعزم والتفكير، تلك الأمور التي هي من أعمال القلوب، وذكروا أنهم يعرفون ذلك بعد وقوعها، والأمور بعد وقوعها لا تسمى غيبا.
أما كيف يعرفونها دون أن ينطق بها أصحابها، أو يعملوها ففي ذلك احتمالان:
الأول: أن يشموا للنوايا الخبيثة روائح خبيثة، وأن يشموا للنوايا الطيبة روائح طيبة.
الثاني: أن يطلعهم الله عليها بعد وقوعها، وليس هذا من الغيب.
يقول القرطبي في تفسيره في معنى قوله تعالى في وصف الملائكة : “وإن عليكم لحافظين. كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون”:- عن الحسن : يعلمون لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم . وقيل : يعلمون ما ظهر منكم دون ما حدثتم به أنفسكم .
وسئل سفيان : كيف تعلم الملائكة أن العبد قد هم بحسنة أو سيئة ؟ قال : إذا هم العبد بحسنة وجدوا منه ريح المسك , وإذا هم بسيئة وجدوا منه ريح النتن.انتهى.
وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبريفي معنى قوله تعالى : ( يعلمون ما تفعلون } يقول : يعلم هؤلاء الحافظون ما تفعلون من خير أو شر , يحصون ذلك عليكم .انتهى.
وقال الإمام النووي – وهو بصدد تعليقه عن قوله ﷺ : ( إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ) وفي رواية (قالت الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة , وهو أبصر به , فقال : ارقبوه فإن عملها فاكتبوها ):-
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله : في هذه الأحاديث دليل على أن الحفظة يكتبون أعمال القلوب وعقدها خلافا لمن قال : إنها لا تكتب إلا الأعمال الظاهرة.انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في التعليق على نفس الحديث:-
وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي إما بإطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك , ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال : ” ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا , فيقول يا رب إنه لم يعمله , فيقول إنه نواه ” وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة , وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني , وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح مغلطاي أنه ورد مرفوعا .انتهى.
ويقول الشيخ العلامة ابن العثيمين – رحمه الله- :-
{وإن عليكم لحافظين} الإنسان عليه حافظ يحفظه ويكتب كل ما عمل، قال الله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]. فعلى كل إنسان حفظة يكتبون كل ما قال وكل ما فعل، وهؤلاء الحفظة كرام ليسوا لئاماً، بل عندهم من الكرم ما ينافي أن يظلموا أحداً، فيكتبوا عليه ما لم يعمل، أو يهدروا ما عمل؛ لأنهم موصوفون بالكرم {يعلمون ما تفعلون} إما بالمشاهدة إن كان فعلاً، وإما بالسماع إن كان قولاً، بل إن عمل القلب يطلعهم الله عليه فيكتبونه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من هم بالحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، ومن همّ بالسيئة ولم يعملها كتبت حسنة كاملة»، لأنه تركها لله عز وجل والأول يثاب على مجرد الهم بالحسنة.