لكي يتغلب المعوق على إعاقته يجب أن يعي أن الطريق مفتوح أمامه ، وأن من المعوقين ممن سبقوه قد تفوقوا في كثير من العلوم والفنون ، وعلى المجتمع أن يعطي للمعوق الفرصة للنهوض ، ولا يقاطعه ، أو يتجاهل دوره .
كيف يمكن التغلب على الإعاقة
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
التغلب على الإعاقة أمر يحتاج إلى وعي وثقافة، فعلى المعوق أن يعلم من بداية الأمر أن الطريق مفتوح أمامه، ونوعّي المجتمع أن يعامل هؤلاء بما يشجعهم ويقوي إرادتهم، لا يكونوا مع الزمن عليهم كما يقولون، بل عوناً لهم.
أصحاب الإعاقة أهل همم
أمثلة على من كان له إعاقة وكان أصحاب همة
في تراثنا الكثير من هؤلاء المعوقين أو أصحاب العاهات مثل:
-أحد فقهاء التابعين المشاهير، عطاء بن أبي رباح، كان فقيه مكة، وكان ينادي المنادي أيام الأمويين، يقول لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح في موسم الحج، ولما جاء عبد الملك بن مروان للحج أيام الخلافة وكان جالسا ومعه أشراف الناس، ثم جاء عطاء بن أبي رباح من بعيد، فعندما لمحه قام من سريره واستقبله وأجلسه بجواره، ثم جلس بين يديه وقال حاجتك يا أبا محمد، فقال له اتق الله في حرم الله وفي حرم رسول الله وفي المسلمين وفي كذا وكذا، فقال أفعل، سألت لغيرك فما حاجتك؟ قال ليس إلى مخلوق حاجة. كان عطاء بن أبي رباح رجلاً يصفه الذين ترجموا له أنه كان أسوداً، أفطساً، أعرجاً، أشلاً، وكان يقاتل مع عبد الله بن الزبير فقطعت يده أيضاً، ومع هذا فعبد الملك بن مروان يقوم من سريره ويجلسه، وكان أحد أئمة المسلمين.
-وهو ليس الوحيد، فتجد في رواة الحديث الأعرج مثل : عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، يحي بن زكريا الأعرج، محمد بن يوسف الأعرج ، أو حازم الأعرج، فهذا العرج لم يمنعهم من أن يكون لهم دورهم.
-و في حياة النبي – ﷺ – كان عمرو بن الجموح، هذا من الصحابة من الأخيار، وكان شيخاً كبيراً وحضر مع النبي – ﷺ – وكان أعرجا، وكان له بنون أربعة يشهدون المعارك مع الرسول – ﷺ -، وفي غزوة أحد قال له أبناؤه يا أبت إن الله أعفاك وقال (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) فاجلس في البيت ونحن نكفيكه، قال لهم لا والله، إني لأرجو أن أطأ بعرجتي الجنة، واشتكاهم للنبي – ﷺ – قائلا له : والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال لهم دعوه ، رجل أراد الشهادة في سبيل الله، وفعلاً كتب الله له الشهادة، وقال النبي ﷺ إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، منهم عمرو بن الجموح.
-كذلك عبد الله بن أم مكتوم، الأعمى الذي نزل من القرآن في قصته، أوائل سورة عبس ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى) فالله سبحانه وتعالى أراد أن ينبه رسوله أنه اشتغل عنه بدعوة كبار القوم وأشراف قريش، وقال لعل الله يلين قلوبهم ويدخلون في الإسلام، ولكن الله عاتبه أنه أعرض عن هذا الرجل ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة) فالقرآن يريد أن يفتح الطريق أمام هؤلاء، لذلك جاء بهذه القصة.
-وحين غفل النبي – ﷺ – عن بعض المستضعفين من الناس، جاء قول الله تعالى : ( فاصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، يريدون وجهه، ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) أي اهتم بهؤلاء.
-ومع أن القرآن نزل لإعفاء هؤلاء من الجهاد، قال تعالى في سورة النور ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) فإن بعض الناس كان يتحرج أن يأكل مع هؤلاء، ويقول لك لعل الأعمى لا يرى طيبات الطعام، فربما أنا آكل شيئا لا يأكله هو، فكانوا يتحرجون أن يأكلوا شيئا الأعمى أحق به، والأعرج أيضاً لا يستطيع أن يجلس الجلسة المريحة ليأكل، كذلك المريض، فالله سبحانه وتعالى يقول لهم لا، فلا يريد أن ينعزل هؤلاء عن المجتمع، فإذا انعزلوا عنهم تقوقعوا على أنفسهم، يجب أن يعيشوا حياتهم العادية، يأكل معهم الناس ويأكلون مع الناس، فهذه الآية نزلت في هذه القضية، هذا كله عناية من الله سبحانه وتعالى بهؤلاء القوم المستضعفين.
كيف تعامل الإسلام مع المعاقين
يقول الدكتور يوسف القرضاوي : القرآن أعفاهم من بعض التكاليف، رعاية أيضاً لضعفهم وحالهم، فمثلاً في الهجرة من دار الظلم ودار الكفر، التي اضطهد فيها الإنسان، فالإنسان إذا اضطهد في دينه ومنع من إقامة شعائره وضيّقت عليه حياته، عليه أن يرحل من هذه الديار، لا يرضى بالهوان ولا بالذل، ولكن هذا بالنسبة للقادر، أما بالنسبة للضعيف، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً {97} إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً {98} فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً {99} ) النساء
حتى في الحرب نهى الإسلام أن يقتل واحد من هؤلاء، إنسانا ضعيفا لا شأن له بالحرب، لا يقتل شيخ ولا امرأة ولا طفل ولا واحد من هؤلاء بل أوجب الدفاع عنهم والقتال دونهم.
وأذكر هنا قول الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) العمى في الحقيقة ليس عمى البصر بل هو عمى البصيرة، فالإنسان قد يكف بصره ولكن إذا كان عنده بصيرة فإنه يستطيع أن يؤدي مهمته في الحياة ولا يعوقه ذلك أبداً، وقد رأينا كثيراً من المسلمين في عصر الرسول ﷺ وعصر الصحابة ومن بعدهم أصيبوا بالعمى في أواخر حياتهم، سيدنا عبد الله بن عباس أصيب بالعمى في آخر حياته، وبعض الناس عيره بهذا فوقف بن عباس وقال :
“أن يسلب الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور،
عقلي ذكي وقلبي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مشهور”
سلبت نور العينين ولكن لم أسلب نور القلب، عندي قلب وعندي عقل وعندي لسان كالسيف، ورأينا في التاريخ الإسلامي أشياء كثيرة منها، تيمور لانك الحاكم المغولي الكبير الفاتح، فلانك يعني : الأعرج، ومع ذلك فتح الفتوح في العالم ووصل لما وصل إليه.
إننا لسنا في حاجة للوعي والثقافة فقط ، إنما نحن في حاجة أيضاً إلى الإيمان والإرادة، إذا الإنسان رزق الإرادة لا ينهزم أبداً ولا يقنط ولا ييأس “فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” ( ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون).