اليقين معناه أن يكون العبد مؤمنًا بالله سبحانه وتعالى بناءً على اعتقاد جازم، وعلم تام، وعمل مصدّق. فيؤمن العبد بأن الله ربه، وأنه معبوده الحق، وأنه لا يستحق العبادة سواه، وأن الله خالق كل شيء، وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. والله سبحانه وتعالى يجب أن يُعبد وحده.

كيف نعرّف اليقين بالله وأسمائه الحسنى؟ وما علاقته بسكينة القلب؟

اليقين بالله هو الذي يحقق المستحيل؛ أي أن يرى العبد كل الأبواب مغلقة، صعبة، مستحيلة، وما يتمناه يستحيل في العقل، ولكنه على يقين بالله سبحانه وتعالى أن الله سيفتح له الأبواب المغلقة وسيأتي بالفرج من عنده.

يقول ابن القيم: لو أن أحدكم همّ بإزالة جبل وهو واثق بالله سبحانه وتعالى لأزاله.
فاليقين بالله هو أعلى مراتب الإيمان، وهو أن يكون القلب موقنًا بأن كل ما يجري في الكون هو بتقدير الله وبحسب أسمائه وصفاته. ليس مجرد معرفة ذهنية، بل هو شعور يملأ القلب، ولا بد أن يكون قولًا وعملًا.

ولا يكون يقين الإنسان بالله يقينًا تامًا إلا إذا كانت معرفته بالله تامة. ومعرفة الله سبحانه وتعالى تدلّ الإنسان على محبته، والخشية منه، والخوف منه، والرجاء، والإخلاص في العمل له. ولا سبيل لمعرفته إلا بمعرفة أسماء الله الحسنى والتفقه في فهم معانيها.

فمعرفة الله سبحانه وتعالى تكون من خلال أسمائه، وهي تزيد الإيمان في القلب، كما قال الشيخ السعدي رحمه الله: “إن الإيمان بأسماء الله الحسنى ومعرفتها يتضمن أنواعًا من التوحيد، فكلما زاد العبد معرفةً بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه”.

من علامات اليقين: مراقبة الله تعالى في كل شيء، والرجوع إليه في كل أمر، والاستعانة به على كل حال. كما قال ابن عطاء: “على قدر قربهم من التقوى أدركوا اليقين.”
وعلاقة اليقين بسكينة القلب تظهر عندما يجد المسلم في داخله قوة إيمان، ورسوخ علم بالله تعالى، وتعلقه بالطاعات، كما قال الله سبحانه وتعالى:
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

أمثلة واقعية نلمس فيها أثر أسماء الله الحسنى في حياتنا؟وكيف نستشعرها؟

الحياة اليومية مليئة بالشواهد على أسماء الله تعالى، لكن المشكلة أننا اعتدنا ألّا نربطها بالله تعالى ولا نعمل بها ليكون عندنا اليقين.
نذكر أولًا مثالًا من القرآن الكريم: الله سبحانه وتعالى في قصة موسى لما قال أصحابه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
قال: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
هذه إشارة إلى صفة من صفات الله وهي المعية، وتعني التأييد والنصر، وتشهد لها آثار من أسماء الله: القادر، المقتدر، القوي، الغالب، القاهر.

فلابد للإنسان أن يتلمس أثر أسماء الله الحسنى في حياته.

نأخذ مثالًا آخر: اسم الله الرقيب.
يقول تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
معنى اسم الله الرقيب: أن الله يراقب عباده، حركاتهم، سكناتهم، أقوالهم، أفعالهم، وخواطرهم.

ولتقريب المثال أكثر للقارئ:
الإنسان إذا مرّ بإشارة ضوئية وكانت خضراء ثم تحولت إلى حمراء، سيتوقف فورًا؛ لأن عقله طابق اليقين بالفعل، وأدرك أن قطع الإشارة سيؤدي إلى غرامة مالية.
هذا يقين وامتثال.

لكن مع اسم الله الرقيب، الإنسان يغتاب، ويعلم أنه محاسب، ويعلم أن الله يراقبه، ومع ذلك لا يتوقف عند حدود الله كما توقف عند الإشارة الضوئية؛ وذلك لأنه لم يستشعر رقابة الله كما استشعر رقابة الكاميرا على الإشارة الحمراء.
لو استشعر رقابة الله حقًا لتوقف.

كيف نربي أبناءنا على اليقين بالله تعالى؟

تربية الأبناء على اليقين بالله تبدأ من البيت، من الوالدين. أول وأهم الأمور:
تعليم الأولاد عقيدة اليقين بالله منذ الصغر، وأكبر مثال: لقمان مع ابنه كما في القرآن الكريم قال تعالى:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
ثم قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ…} إلى آخر الآيات التي تربي الطفل على التوحيد واليقين بالله.

فلا بد للوالدين أن يعلّموا أبناءهم اليقين بالله، والتعلق بأسمائه، ثم يأتي بعد ذلك العبادات والأحكام. فيبدأون بحفظ الأسماء الحسنى والتعرّف عليها واستشعار معانيها.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال له النبي : “يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…”.

-أن نقص على أبنائنا قصص إبراهيم عليه السلام حين قال: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، فأنجاه الله.
-وموسى عليه السلام حين قال: “إن معي ربي”، فأنجاه الله.
-وأيوب عليه السلام حين قال: “رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”، فشفاه الله.
فالقصص للأطفال تقوي اليقين بالله وتحببهم به سبحانه وتعالى.

ومن الوسائل أيضًا:
ربط كل شيء بالله في حياتهم اليومية:

-إذا نجح الطفل، نقول له: هذا بتوفيق الله.
-إذا خاف نقول له قل: يا حفيظ احفظني.
-إذا مرض نقول له قل: يا شافي اشفني.
وفي الدعاء: يا رزاق ارزقني، يا لطيف ألطف بي.

ولا بد من المداومة على الأذكار، وتعليم الصلاة، وتعليم القرآن؛ فكلها تنمي اليقين بالله وأسمائه.