يقول فضيلة الدكتور أحمد يوسف أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة:

حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله وفعله على التقرب إلى الله ـ عز وجل ـ بالصيام، ومن هذه الأحاديث ما يحث على صيام يوم عرفة، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصيام الإثنين والخميس.

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: “إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصوم حتى يقال: قد صام قد صام، ويفطر حتى يقال: قد أفطر قد أفطر.
وقد اتفق العلماء على أن الصائم إذا أفطر في يوم من أيام الفريضة بعذر من الأعذار فإنه يجب عليه أن يقضي ما فاته لقوله تعالى: “فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” (البقرة: آية 184).

ولكنهم اختلفوا فيما لو أفطر في يوم كان يصومه تطوعاً إلى قولين:

القول الأول: هو قول أبي حنيفة ومالك؛ أن من شرع في صوم يوم تطوعاً يلزمه إتمامه، وإذا أفطر لعذر من الأعذار فيجب عليه قضاؤه، وفي رواية عن مالك: لا يقضي، واستدلوا على وجهة نظرهم بقوله تعالى: “وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ “(محمد: آية 33)، وقال ـ تعالى: “وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ” (الحديد: آية 27)، كما استدلوا بحديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين، فقالت حفصة: يا رسول الله إن كنا صائمتين وعرض لنا طعام نشتهيه فأكلنا منه، فقال: “اقضيا يوماً آخر” رواه أبو داود في سننه.

والقول الآخر: هو مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور وإسحاق، ويرون أن من شرع في صوم تطوع فإنه يستحب له إتمامه، فإن أفطر فلا قضاء عليه، سواء أخرج منه بعذر أم بغير عذر، واستدلوا بحديث السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل عليها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: “هل عندكم شيء؟”. فقلت: لا، فقال: “أنا صائم”. ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أُهدي إلي حيسٌ (نوع من الحلوى) فخبأت له منه. فقال: “أدنيه ألا إني قد أصبحت وأنا صائم” فأكل منه ثم قال: “إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها”. رواه النسائي في سننه.

والراجح القول الثاني، والحديث الذي استدل به الفريق الأول فيه مقال، وإن صح فإنه يحمل على الاستحباب. أي يستحب قضاء هذا ولا يجب.