الوفاء بالدين وأداءه للدائن واجب لا مفر منه ، إلا أن يتنازل عنه الدائن باختياره ، لأن نفس الميت معلقة بدينه ، حتى الشهيد : يغفر له كل شيء إلا الدَّين ، كما ورد في صحيح الأخبار ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على المدين حتى يوفى دينه أو يتحمله عنه غيره .

ولذك وجب سداد دين الميت فور الفراغ من دفنه ، أو فور موته من تركته قبل توزيع الميراث ، ولو لم يترك مالا كان الدَّين في ذمة ورثته .

كما أن النذر يجب الوفاء به ، وهو دين أيضا على الناذر ، ولكنه دين لله تعالى ، وليس للعباد ، فإذا مات المسلم وعليه دين ونذر وجب الوفاء والأداء ، وإن لم تكف أمواله قدم أداء الدين على الوفاء بالنذر .

يقول الشيخ محمدي خضر:
الحقوق الواجب على الإنسان أن يؤديها لغيره نوعان، حقوق لله وحقوق للعباد، وقد تكون الحقوق متداخلة، فيها نصيب لله ونصيب للعباد، وقد تكون خالصة لطرف دون طرف ولو على وجه من الوجوة ، غير أن أساس هذا التقسيم هو الغالب فيما يبدو للناس.

ومهما يكن من شيء فإن الحق الخالص لله يكون التقصير فيه تقصيرًا ليس للعباد دخل فيه. ويعتبر دينًا يجب قضاؤه إن كان له مثل أو عوض، أو يطلب المغفرة من الله، والله سبحانه واسع الرحمة عظيم المغفرة ، كما قال تعالى : “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم” سورة الزمر: 53 “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء” سورة النساء: 48.

أما الحقوق الخالصة للعباد أو يكون ظاهرها أنها خالصة وإن كان فيها حق لله لأنه هو الذي شرعها، فإن الله سبحانه لا يتجاوز عن التقصير فيها، بل لا بد من أدائها للطرف الآخر أو طلب العفو عنها منه، وذلك كالمال المسروق والأمانة التي خانها وكالسب والضرب، فلا بد من إبراء الذمة بدفع الحقوق أو العفو عنها، مع ذلك لا بد من التوبة إلى الله والاستغفار، لأنه خالف أمره بالتقصير، والتوبة إلى الله بدون أداء الحقوق إلى أصحابها أو مسامحتهم غير مقبولة، وقد بين الحديث الذي رواه مسلم أن المفلس يوم القيامة من يأتي بالصلاة وغيرها من العبادات لكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا، فيعطى كل مظلوم من حسنات الظالم فإذا لم توف طرح عليه من سيئاتهم ثم ألقي في النار، وهذا يدل على أن حقوق العباد في الحرمة مقدمة على حقوق الله واسع الفضل والرحمة.

والدين حق للعباد لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء ، في حين أن النذر حق لله تعالى غالبا .

وبناء على ما تقدم لو تعلق بذمة الإنسان حقان ماديان، أحدهما لله كالنذر ، والثاني للعباد كالدين ، ولا يملك إلا ما يوفي واحدًا منهما قدم حق العباد على حق الله، فمن كان عليه دين لإنسان، وقبل أن يؤديه نذر بناء مسجد أو التصدق على الفقراء، أو نذر ثم استدان قبل الوفاء بالنذر ؛ والمال الذي عنده لا يكفي لقضاء الدين والوفاء بالنذر فالواجب أن يؤدي الدين أولاً، وأما النذر فيكون الوفاء به عند القدرة التي لا توجد إلا بعد قضاء الدين والالتزامات الأخرى، والقدرة وقتها متسع وعند نية الوفاء يرجى عفو الله عند التعذر، فهو سبحانه واسع الرحمة والمغفرة.