المسلم حريص على وقته ،فلا يضيعه فيما لا ينفع ،وهو في ذات الوقت يمازج بين الجد والترفيه عن النفس فيما ليس بحرام ،مع تصحيح النية في عمله ،والمحادثة عبر الإنترنت لا شيء فيها إن خلت من المحرمات والمنهيات .
يقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا:
تحسن الإشارة إلى مسألتين :
المسألة الأولى : ما دام المرء يزن سلوكه و أفعاله بميزان الشرع فهو على خير إن شاء الله ، و إن بدر منه تقصير في بعض الأحيان ، و ذلك مقتضى قوله تعالى : ( وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) [ القيامة : 2 ] .
و النفس اللوّامة هي الَّتِي تَلُوم صَاحِبهَا عَلَى الشَّرّ وَتَنْدَم عَلَى مَا فَاتَ ، كما قرّره الحافظ ابن كثيرٍ في تفسيره .
و الموفّق من عباد الله من أتبع سيئاته ما يمحوها من الحسنات ، لأنّ ( الحسنات يُذهبنَ السيئات ) [ هود : 114 ] ، كما أخبر بذلك تعالى في كتابه العزيز ، و لقول النبيّ صلّى الله عليه و سلّم لأَبِي ذَرٍّ فيما رواه أحمد و الترمذي بإسنادٍ قال عنه : ( حسنٌ صحيح ) : « اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَ أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَ خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » .
المسألة الثانية : إنّه لا بدّ للمرء من ساعات يقضيها في المباح ، و منها زيارة الأرحام و الأصدقاء ، أو الاتصال بهم عبر الهاتف أو الانترنت ، أو مراسلتهم أو نحو ذلك ، و هذا الأمر مشروعٌ ما لم يتجاوز حدود المعروف و المألوف ، أو تتخلّله منكرات لفظيّة أو فعليّة .
و قد جُبِلت النفس البشريّة على حبّ الاستمتاع بالمباح ، و ليس ذلك محظوراً عليها ، بل قد يكون سبباً في الثواب إذا صلحت نيّة صاحبه روى الترمذي بإسنادٍ قال عنه : ( حسن صحيح ) عَنْ حَنْظَلَةَ الاسَيدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ ؛ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَ الْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ(أي كأننا نرى الجنة رأي العين ) ، فَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى الازْوَاجِ وَ الضَّيْعَةِ نَسِينَا كَثِيرًا . قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَكَذَلِكَ ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا لَكَ يَا حَنْظَلَةُ ؟) قَالَ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَ الْجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا رَجَعْنَا عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَ الضَّيْعَةَ وَ نَسِينَا كَثِيرًا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ وَ فِي طُرُقِكُمْ وَ عَلَى فُرُشِكُمْ وَ لَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَ سَاعَةً ، سَاعَةً وَ سَاعَةً ) .
فهذا حال المؤمن ساعةً يقوى فيها إيمانه ، و ساعةً يضعُف ، و لكنّه في كلتَي الساعتين بين المأمور و المشروع ، بين الطاعات و المباحات ، و ليس كما يفهمه بعض الجَهلَة القائلين : ساعة لقلبك و ساعة لربّك ، فيجعلون العمر ساعتين ساعة في المشروع و ساعة في الممنوع ، و ذلك هو الخذلان و الضلال المبين ، و العياذ بالله ربّ العالمين .
فليحرص المسلم على الإستفادة من وقته في ما يُصلح دينه و دنياه ، و عليه بالتسديد و المقاربة ، و لا بأس من قضاء بعض الأوقات في الأعمال المباحة، ما لم يكن ذلك على حساب دينه و واجباته ، و الله الهادي إلى سواء السبيل .