قصد مساجد الأولياء وشد الرحال إليها لا يجوز ، وهو منهي عنه شرعا، لأنه ذريعة للشرك ، فتسد الذريعة ، ومن المعلوم أن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، والمسجد الأقصى ومسجد الرسول.
قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله :
أما قصد الصلاة والدعاء والعبادة في مكان لم يقصد الأنبياء فيه الصلاة والعبادة بل روي أنهم مروا به ونزلوا فيه أو سكنوه فلا تؤخذ مساجد .
والنصوص صريحة توجب تحريم اتخاذ قبورهم مساجد مع أنهم مدفونون فيها وهم أحياء في قبورهم ويستحب إتيان قبورهم للسلام عليهم ومع هذا يحرم إتيانها للصلاة عندها واتخاذها مساجد.
ومعلوم أن هذا إنما نهى عنه لأنه ذريعة إلى الشرك وأراد أن تكون المساجد خالصة لله تعالى تبنى لأجل عبادته فقط لا يشركه في ذلك مخلوق فإذا بني المسجد لأجل ميت كان حراماً فكذلك إذا كان لأثر آخر فإن الشرك في الموضعين حاصل ولهذا كانت النصارى يبنون الكنائس على قبر النبي والرجل الصالح وعلى أثره وباسمه.
وهذا الذي خاف عمر رضي الله عنه أن يقع فيه المسلمون هو الذي قصد النبي ﷺ منع أمته منه قال الله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا)، وقال تعالى :(قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين) وقال تعالى :(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين).
ولو كان هذا مستحباً لكان يستحب للصحابة والتابعين أن يصلوا في جميع حجر أزواجه وفي كل مكان نزل فيه في غزواته أو أسفاره.
ولكان يستحب أن يبنوا هناك مساجد ولم يفعل السلف شيئاً من ذلك.
ولم يشرع الله تعالى للمسلمين مكاناً يقصد للصلاة إلا المسجد.
ولا مكان يقصد للعبادة إلى المشاعر.
فمشاعر الحج كعرفة ومزدلفة ومنى تقصد بالذكر والدعاء والتكبير لا الصلاة بخلاف المساجد فإنها هي التي تقصد للصلاة وما ثم مكان يقصد بعينه إلا المساجد والمشاعر.
وفيها الصلاة والنسك قال تعالى :(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت)، وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة ولا الدعاء ولا الذكر إذ لم يأت في شرع الله ورسوله قصدها لذلك وإن كان مسكناً لنبي أو منزلاً أو ممراً.
فإن الدين أصله متابعة النبي ﷺ وموافقته بفعل ما أمرنا به وشرعه لنا وسنه ، فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا ولا أمرنا به ولا فعله فعلاً يسن لنا أن نتأسى به فيه فهذا ليس من العبادات والقرب ، فاتخاذ هذا قربة مخالفة له ﷺ ، وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد يجوز لنا أن نفعله مباحاً كما فعله مباحاً.
ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة وقربة؟ فيه قولان .. وأكثر السلف والعلماء على أنا لا نجعله عبادة وقربة بل نتبعه فيه فإن فعله مباحاً فعلناه مباحاً وإن فعله قربة فعلناه قربة.
ومن جعله عبادة رأى أن ذلك من تمام التأسي به والتشبه به ورأى أن في ذلك بركة لكونه مختصاً به نوع اختصاص.