جاء في “إحكام الأحكام ، شرح عمدة الأحكام” لابن دقيق العيد الشافعي :

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم بـ ” قل هو الله أحد”، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( سلوه لأي شيء صنع ذلك ؟) فسألوه . فقال : لأنها صفة الرحمن عز وجل ، فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أخبروه أن الله تعالى يحبه } .

قولها ” فيختم بقل هو الله أحد ” يدل على أنه كان يقرأ بغيرها . والظاهر : أنه كان يقرأ { قل هو الله أحد } مع غيرها في ركعة واحدة . ويختم بها في تلك الركعة ، وإن كان اللفظ يحتمل أن يكون يختم بها في آخر ركعة يقرأ فيها السورة . وعلى الأول : يكون ذلك دليلا على جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة ، إلا أن يزيد الفاتحة معها .

وقوله : صلى الله عليه وسلم { إنها صفة الرحمن } يحتمل أن يراد به : أن فيها ذكر صفة الرحمن ، كما إذا ذكر وصف فعبر عن ذلك الذكر بأنه الوصف ، وإن لم يكن ذلك الذكر نفس الوصف . ويحتمل أن يراد به غير ذلك ، إلا أنه لا يختص ذلك ب قل هو الله أحد . ولعلها خصت بذلك لاختصاصها بصفات الرب تعالى دون غيرها . وقوله صلى الله عليه وسلم { أخبروه أن الله تعالى يحبه } يحتمل أن يريد بمحبته : قراءة هذه السورة . ويحتمل أن يكون لما شهد به كلامه من محبته لذكر صفات الرب عز وجل ، وصحة اعتقاده . (انتهى).

وفي “نيل الأوطار” للشوكاني :
باب قراءة سورتين في كل ركعة وقراءة بعض سورة وتنكيس السور في ترتيبها وجواز تكريرها عن أنس قال { : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح ب { قل هو الله أحد } حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها فكان يصنع ذلك في كل ركعة فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة قال : إني أحبها قال : حبك إياها أدخلك الجنة } . رواه الترمذي وأخرجه البخاري تعليقا .
الحديث قال الترمذي : حسن صحيح غريب ، وأخرجه البزار والبيهقي والطبراني .

قوله : ( فكان يصنع ذلك في كل ركعة ) لفظ البخاري { فكلمه أصحابه وقالوا إنك تفتتح بهذه السورة لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى ، فقال : ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم ذلك تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال : ( يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك } . . . إلخ.

قوله : ( أدخلك الجنة ) التبشير له بالجنة يدل على الرضا بفعله وعبر بالفعل الماضي وإن كان الدخول مستقبلا تنبيها على تحقيق الوقوع كما نص عليه أئمة المعاني ، قال ناصر الدين بن المنير في هذا الحديث : إن المقاصد تغير أحكام الفعل ، لأن الرجل لو قال إن الحامل له على إعادتها أنه لا يحفظ غيرها لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه .

قال : وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يعد ذلك هجرانا لغيره . والحديث يدل على جواز قراءة سورتين في كل ركعة مع فاتحة الكتاب على ذلك التأويل من غير فرق بين الأوليين والأخريين لأن قوله في كل ركعة يشمل الأخريين.(انتهى).

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
لا بأس بالسورة في ركعتين؛ وذلك لما روى زيد بن ثابت، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما } وروى الخلال بإسناده عن عائشة، رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم البقرة في الركعتين }، وبإسناده عن الزهري قال : أخبرني أنس قال : صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه صلاة الفجر، فافتتح سورة البقرة، فقرأ بها في ركعتين، فلما سلم قام إليه عمر فقال ما كدت تفرغ حتى تطلع الشمس فقال : لو طلعت لألفتنا غير غافلين .

وقد { قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بسورة المؤمنون، فلما أتى على ذكر عيسى أخذته شرقة فركع } ولا بأس أيضا بقراءة بعض السورة في الركعة؛ لما روينا من الأحاديث، وهي تتضمن ذلك، وقد نص عليه أحمد واحتج بما رواه بإسناده عن ابن أبزى قال صليت خلف عمر، فقرأ سورة يوسف حتى إذا بلغ : { وابيضت عيناه من الحزن } وقع عليه البكاء فركع، ثم قرأ سورة النجم فسجد فيها، ثم قام فقرأ : { إذا زلزلت . } ولأنه إذا جاز أن يقتصر على قراءة آية من السورة فهي بعض السورة.