قراءة القرآن عند القبر مستحبة عند جمهور الفقهاء وهو الراجح خلافا للمالكية الذين يرون كراهية القراءة عند القبر.
حكم الأحاديث الواردة في القراءة عند قبر الميت
-روى الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: “من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر، ثم قال: إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله تعالى .لا يصح
و أخرج أبو بكر عبد العزيز الحنبلي صاحب الخلال بسنده عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: “من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات”.لايصح
قال الحافظ شمس الدين بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي تعليقا على الحديثين :
وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فمجموعها يدل على أن لذلك أصلاً وأن المسلمين ما زالوا في كل مصر وعصر يجتمعون ويقرأون لموتاهم من غير نكير فكان ذلك إجماعاً.
وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها .لم يثبت
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (مر النبي ﷺ بقبرين، فقال : إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير أما أحدهما : فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة فأخذ جريدة رطبة ، فشقها نصفين ، فغرز في كل قبر واحدة فقالوا : يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).رواه البخاري ومسلم
قال الفقيه الشافعي ابن دقيق العيد تعليقا على هذا الحديث :
أخذ بعض العلماء من هذا: أن الميت ينتفع بقراءة القرآن على قبره ، من حيث إن المعنى الذي ذكرناه في التخفيف عن صاحبي القبرين هو تسبيح النبات ما دام رطبا فقراءة القرآن من الإنسان أولى بذلك والله أعلم بالصواب. )
وأخرج ابن عدي ، والخليل، وأبو الفتوح عبد الوهاب بن إسماعيل الصيرفي في الأربعين، وأبو الشيخ والديلمي وابن النجار والرافعي – عن عائشة عن أبي بكر مرفوعا : من زار قبر والديه أو أحدهما في كل يوم جمعة فقرأ عنده يس غفر الله له بعدد كل حرف منها من زار قبر والديه أو أحدهما في كل يوم جمعة فقرأ عنده يس غفر الله له بعدد كل حرف منها. لم يثبت
وقال القليوبي من فقهاء الشافعية :ومما ورد عن السلف أنه من قرأ سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة وأهدى ثوابها إلى الجبانة غفر له ذنوب بعدد الموتى فيها .
و قال ابن عابدين من فقهاء الحنفية نقلا عن شرح اللباب : ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى المفلحون وآية الكرسي ، وآمن الرسول ، وسورة يس ، وتبارك الملك ، وسورة التكاثر والإخلاص اثنتي عشرة مرة أو إحدى عشرة أو سبعا أو ثلاثا .
وقال البهوتي من فقهاء الحنابلة: قال السامري يستحب أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمتها .
وقد روي عن أحمد أنه قال : إذا دخلتم المقابر اقرءوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ، ثم قل : اللهم إن فضله لأهل المقابر . وروي عنه أنه قال : القراءة عند القبر بدعة .
ونقل الإمام ابن قدامة من فقهاء الحنابلة : أنه قد روي جماعة أن أحمد نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر، وقال له : إن القراءة عند القبر بدعة . فقال له محمد بن قدامة الجوهري : يا أبا عبد الله : ما تقول في مبشر الحلبي ؟ قال : ثقة . قال : فأخبرني مبشر ، عن أبيه ، أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها ، وقال : سمعت ابن عمر يوصي بذلك، قال أحمد بن حنبل : فارجع فقل للرجل يقرأ .
وإن كان المالكية يرون كراهة قراءة القرآن عند القبر للميت ،فإن المتأخرين من المالكية لا يرون بذلك بأسا .
قال الدردير من كبار فقهاء المالكية : المتأخرون على أنه لا بأس بقراءة القرآن والذكر وجعل ثوابه للميت ويحصل له الأجر إن شاء الله . لكن رجح الدسوقي الكراهة مطلقا.
حكم قراءة القرآن عند القبر
-من أهل العلم من يقول: إن قراءة القرآن تصل إلى الميت، إذا قرأ وثوبها للميت تصل إليه، كما يصل إليه الصدقة والدعاء والحج عنه والعمرة وأداء الدين وقالوا: إن قراءة القرآن أو كونه يصلي له، أنه يلحقه كما تلحقه الصدقة وتنفعه الصدقة والحج عنه والعمرة والدعاء.
-وقال آخرون: لايجوز؛ لعدم الدليل؛ لأن العبادات توقيفية لا يفعل منها شيء إلا بالدليل، فلا مجال للرأي فيها، فالعبادات توقيفية بمعنى أنها تتلقى عن الله وعن الرسول ﷺ لا بالرأي والهوى والقياسات، العبادات توقيفية قال الله قال رسوله، فهذا هو الذي يؤخذ به ويعمل به، فما كان النبي ﷺ يفعل هذا عن أقاربه، وما فعله الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن أقاربهم.
فالمشروع لنا أن نتبع طريقهم وسبيلهم فلا نقرأ عن الميت ولا لغير الميت، لأنه لم يرد إلا إذا كان عليه دين صوم رمضان ولم يقضه يصام عنه، كما قال ﷺ: من مات وعليه صيام صام عنه وليه، لكن لا يقاس عليه الصلاة ولا تقاس عليه القراءة، العبادات ما هي بمحل قياس.
أفضل ما ينفع الميت بعد موته
-أهم ما ينفع الميت بعد موته وهو في قبره الدعاء له بالمغفرة والرحمة والجنة والعتق من النار ونحو ذلك من الأدعية.
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ . رواه ابن ماجة في صحيح الجامع.
-ومما يصل إلى الميت الصّدقة عنه لما روت عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ( أي ماتت ) وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ : نَعَمْ . رواه البخاري
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ “رواه النسائي
وعَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ “قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ” رواه النسائي
-ومما يصل إلى الميت كذلك الحجّ والعمرة عنه بعد أن يكون الحيّ قد حجّ واعتمر عن نفسه .
-ومما ينفع الميت أيضا قضاء نذره لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ” البخاري