إذا علم من شخص علم اليقين أنه يتعامل بالحلال والحرام معا فلا تحرم معاملته من بيع له، أو شراء منه، أو قبول هديته، أو الاقتراض منه على القول الراجح ، إلا أن الورع ترك معاملته، فمن تورع عن معاملته فقد أحسن، ومن عامله فليس آثما .
أما إذا علم أنه حصل على شيء معين عن طريق الحرام فلا يجوز شراء شيء منه ولا أخذ منه هدية ، ولا اقتراضه .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :-
وقال القليوبي من الشافعية : لا يحرم الأكل ولا المعاملة ، ولا أخذ الصدقة ، والهدية ، ممن أكثر ماله حرام إلا ما علم حرمته ، ولا يخفى الورع .
وقال الإمام أحمد في جائزة السلطان : أكرهها ، وكان يتورع عنها ، ويمنع بنيه من أخذها ، وأمرهم بالصدقة بما أخذوه ، وذلك لأن أموالهم تختلط بما يأخذونه من الحرام من الظلم وغيره فيصير شبهة ، وقد قال النبي ﷺ : { الحلال بين والحرام بين ، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى ، يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه }.
وقال النبي ﷺ : { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } . واحتج أحمد بأن جماعة من الصحابة تنزهوا عن مال السلطان ، منهم : حذيفة ، وأبو عبيدة ، ومعاذ ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، رضي الله تعالى عنهم . ولم ير أحمد ذلك حراما ، فإنه سئل فقيل له : مال السلطان حرام ؟ فقال : لا ، وأحب إلي أن يتنزه عنه ، وفي رواية قال : ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم حق ، فكيف أقول إنها سحت ؟ وقال أحمد : جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة ، يعني أن الصدقة أوساخ الناس صين عنها النبي ﷺ وآله لدناءتها ولم يصانوا عن جوائز السلطان .
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية أيضا :-
من القواعد الفقهية أنه إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ، قال الجويني : لم يخرج عن هذه القاعدة إلا ما ندر . قال السيوطي : خرج عن هذه القاعدة فروع منها : معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عين الحرام لا يحرم في الأصح لكن يكره ، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام في يده .
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني:-
إذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال كالسلطان و الظالم والمرابي ، فإن علم أن المبيع من حلال ماله فهو حلال وإن علم أنه حرام فهو حرام ; لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان ملكه ، فإن لم يعلم من أيهما هو كرهناه لاحتمال التحريم فيه ، ولم يبطل البيع ; لإمكان الحلال ، قل الحرام أو كثر ، وهذا هو الشبهة ، وبقدر قلة الحرام وكثرته تكون كثرة الشبهة وقلتها ، قال أحمد : لا يعجبني أن يأكل منه .
وذهب بعض الفقهاء ومن بينهم الغزالي إلى أنه يحرم التعامل مع من غالب ماله من الحرام .
وقال العز بن عبد السلام في معاملة من اعترف بأن أكثر ماله حرام : إن غلب الحرام عليه بحيث يندر الخلاص منه لم تجز معاملته ، مثل أن يقر إنسان بأن في يده ألف دينار كلها حرام إلا دينارا واحدا ، فهذا لا تجوز معاملته بدينار لندرة الوقوع في الحلال ، كما لا يجوز الاصطياد إذا اختلطت حمامة برية بألف حمامة بلدية ، وإن عومل بأكثر من الدينار أو اصطيد بأكثر من حمامة فلا شك في تحريم ذلك .
وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة كما لو اختلطت أخته من الرضاع بألف امرأة أجنبية ، أو اختلطت ألف حمامة برية بحمامة بلدية فإن المعاملة صحيحة جائزة لندرة الوقوع في الحرام ، وكذلك الاصطياد . ثم قال : وبين هاتين الرتبتين من قلة الحرام وكثرته مراتب محرمة ومكروهة ومباحة .
وضابطها : أن الكراهة تشتد بكثرة الحرام وتخف بكثرة الحلال ، فاشتباه أحد الدينارين بآخر سبب تحريم بين ، واشتباه دينار حلال بألف دينار حرام سبب تحريم بين ، وبينهما أمور مشتبهات مبنية على قلة الحرام وكثرته بالنسبة إلى الحلال ، فكلما كثر الحرام تأكدت الشبهة ، وكلما قل خفت الشبهة ، إلى أن يساوي الحلال الحرام فتستوي الشبهات .