في زمن تتزاحم فيه الضغوط وتضيق فيه الصدور، تزداد الحاجة إلى إدارة الغضب، لا كبتًا للمشاعر بل لترويضها وتوجيهها نحو الخير. وهنا يبرز الهدي النبوي كمنارة تهدي الحائر، وتسكّن الثائر، وتعلمنا كيف نكون أقوياء بحق؛ لا بالسرعة، بل بامتلاك النفس عند الغضب.
“فن إدارة الغضب… وصايا نبوية لحياة أهدأ”.
كيف ينظر الإسلام لمشكلة الغضب؟
الغضب انفعال إنساني طبيعي، والإسلام لا يرفض الغضب من حيث الأصل، بل يرفض الانقياد له؛ لأن الإسلام يريد للإنسان أن يكون سيدًا لنفسه، لا عبدًا لانفعالاته. وقد أوصى النبي ﷺ رجلًا جاءه فقال: أوصني، فقال: “لا تغضب”، وكررها مرارًا، أي اجتنب ما يؤدي إلى الغضب.
والنبي ﷺ حذّر من الغضب لأنه يدفع إلى الشر والتهور، وكان لا يغضب إلا إذا انتُهكت حرمات الله، وهذا الغضب المحمود.
ولما رأى رجلًا قد اشتد غضبه قال: “إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”. فالغضب إذا انفلت قاد إلى الظلم وقطيعة الأرحام وخسارة الأجور وهدم العلاقات.
وفي القرآن، وعد الله من يكتم غضبه بالجنة، فقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}. وقال بعدها: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
وهنا لفتة جميلة: بعد كظم الغيظ يأتي العفو ثم الإحسان؛ أي أن الإنسان ينتقل من الغضب إلى الإحسان، وهذا أرقى درجات النفس.
لماذا كرر النبي ﷺ وصيته: “لا تغضب”؟
كرر النبي ﷺ وصيته: “لا تغضب”ليؤكد أن على الإنسان ضبط نفسه عند الغضب. فالذي يملك نفسه مأجور، وستحمد عاقبته. ويقول النبي ﷺ: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”. فالقوة الحقيقية ليست السيطرة على الآخرين، بل السيطرة على النفس.
وعلى الإنسان أن يبتعد عن أسباب الغضب، لأن الغضب إذا انفجر جرّ إلى أقوال وأفعال خطيرة: ضرب، إتلاف، شتم، وربما قتل. وكثرة الغضب تنفّر الزوجة والأبناء والمقربين.
ما أبرز الأسباب المؤدية للغضب؟ وكيف يتعرف الفرد على محفزاته؟
من أهم الأسباب:
– الغفلة عن ذكر الله، ولهذا أرشد النبي إلى قول: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.
– العجب بالرأي والمكانة والنسب والوظيفة.
– الأنانية وحب الذات.
– كثرة الجدل والصراعات الشخصية.
– الإجهاد البدني وضغوط الحياة وقلة النوم والمشاكل الأسرية.
– التسرع في الحكم وتفسير الأحداث بطريقة سلبية.
أما المحفزات فهي مواقف مباشرة تثير الغضب، تختلف من شخص لآخر:
– التأخر عن المواعيد كأن يواعد شخصا آخر ثم يتخلف.
– عدم الرد في الاتصالات مع تكرار الاتصال من الشخص.
– الضوضاء والازدحام.
– الاستفزاز.
فمن المهم أن يعرف كل إنسان محفزاته التي تحفزه عند الغضب وذلك ليعالجها.
ما أهم الوسائل النبوية والتربوية لضبط النفس عند الغضب؟
– استحضار وصية النبي: “لا تغضب”.
– الغضب لله فقط، لا للنفس.
– الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
– الصمت عند الغضب: قال ﷺ”إذا غضب أحدكم فليسكت”.
– تغيير الهيئة: إن كان قائمًا فليجلس، وإن كان جالسًا فليضطجع.
– الوضوء لأن الغضب نار والماء يطفئ النار، وشرب الماء نافع كذلك.
– تغيير المكان وتأجيل القرارات عند الغضب.
– معرفة أن الغضب يسبب فسادًا اجتماعيًا: طلاق، قطيعة، عداوات.
– ومعرفة الأضرار الصحية التي يسببها الغضب: كأمراض القلب، الضغط، السكتات، وربما الوفاة.
كيف نوازن بين التعبير عن المشاعر وضبطها دون كبت أو انفجار؟
– التعبير بهدوء وبطريقة مباشرة.
– التركيز على الفعل لا على الشخص.
– استخدام التنفس الصحيح (شهيق وزفير) لتهدئة النفس.
– الاستعانة بالذكر بدل الصراخ، فبذكر الله تطمئن القلوب.