الضرائب مادامت تفرض بنوع من المشورة لحاجة الأمة إليها ، وتنفق في المصارف العامة ،فلا مانع شرعًا من فرضها ، وللحاكم المسلم أن يفرض على الناس أزيد من مال الزكاة إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

يقول الشيخ الغزالي رحمه الله :

يُقصد بالضرائب المالُ الذي تأخذه الدولة من الجمهور في صور شتى ليعود ذلك المال مرة أخرى إلى الناس في صورة خدمات عامة وضمانات لوجود الأمة ورخائها، وصون مصالحها ودعم القائمين عليها.
ومن هنا كان أداء الضريبة لابد منه ، وكان التهرب منه أشبه بالخيانة الوطنية.
وفي البلاد الراشدة يَندُر كل النُّدرة أن تذهب حصيلة الضرائب في إجابة شهوة خاصة، من أجل ذلك ينظرون إلى المتهرب من الضرائب على أنه ارتكب ما يَحرِمه من المناصب الكبرى وما يَصِمُه بأردأ التهم!

قال الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:
إنه يمكن إذا قَضَت ظروف الحرب فَرْضَ ضرائبَ على القادرين وأهل اليسار لتمويل الجهاد، وإمداد الجيوش وإعداد الحصون، وما إلى ذلك من احتياجات الحروب! إن الشرع يؤيد ذلك ويوجبه، كما نص على ذلك الفقهاء، وإن كان كثير منهم في الأحوال المعتادة لا يطالب الناس بحق في المال غير الزكاة.
واستدل الغزالي على ذلك بقوله:
لأنّا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران، وقصَد الشرعُ إلى دفع أشد الضررين وأعظم الشرَّيْن، وما يؤديه كل واحد منهم ـ يعني المكلَّفين بهذه الضرائب ـ قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله لو خلَت بلاد الإسلام عن ذي شوكة يَحفَظ نظام الأمور ويَقطَع مادة الشرور.

قال الدكتور يوسف القرضاوي:
مثلُ ذلك فكُّ أسرى المسلمين وتخليصُهم من قيود الكافرين وإذلالِهم، مهما كلَّف من أموال! قال الإمام مالك: يجب على كافة المسلمين فداءُ أسراهم وإن استغرَقَ ذلك أموالَهم. ذلك لأن كرامة هؤلاء الأسرى من كرامة الأمة الإسلامية، وكرامة الأمة فوق الحُرمة الخاصة لأموال الأفراد.

وهذا منطق سديد هُديَ إليه الفقهاء والدعاة والموجِّهون في تاريخنا العلمي، وسارت عليه الأمم الآن شرقًا وغربًا، فالحكومات الواعية قد تجعل من الضرائب شريان حياة كما تجعل منها أحيانًا جراحة شفاء وتجميل.
رأينا الضرائب تُزاد على أسباب الترف وأدوات الزينة، ولا بأس في ذلك، فالحصيلة ستكون سِنادًا للفقراء والمُعوِزِين.

ورأينا الضرائب تُفرَض على المصنوعات الأجنبية حماية للصناعة الوطنية، وهذا حسن، وقد نهضت في الهند صناعات توشك أن تحقق الاكتفاء الذاتي للهنود بسبب الضرائب الصارمة التي أوجبتها الدولة.
وإذا أُكرِه الجمهور على استخدامِ أدوات أو سِلعٍ غيرِ جيدة، فإن سنة الارتقاء ستصل بها إلى المستوى المنشود يومًا ما.
على أية حال لابد أن نذكر أن الدولة الإسلامية مربوطة بمبادئ وآداب وأهداف لا يمكن تجاهلها، في الداخل والخارج على سواء!

وربما بلغت الدولة بعض غاياتها بوسائل قريبة، كما حدث مِن تآخٍ بين المهاجرين والأنصار على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو على نحو ما فكر عمر بن الخطاب عندما قال: لو لم أجد للناس ما يَسَعُهم إلا أن أُدخِلَ على أهلِ كلِّ بيتٍ عدَدَهم فيقاسموهم أنصافَ بطونهم، حتى يأتيَ الله بالحيا لفعلتُ، فإنهم لن يَهلِكوا على أنصاف بطونهم!

لكنْ هذه الوسائل قد تصعُب الآن، والبديل المحتوم عنها هو الضريبة التي تمكِّن الحكومة من مباشرة الإطعام والإيواء، وإمداد المحتاجين بما يسعفهم ويصونهم ماديًّا وأدبيًّا.