الغيب هو: ما يغيب عن الإنسان العلم به وإدراك حقيقته، وهو أنواع:
-منه ما استأثر الله بعلمه ولم يُطْلِعْ عليه أحداً من خلقه، وهو ما ذكر من قوله تعالى: ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) [ لقمان:34]
-ومنه ما يمكن التوصل إليه بالوسائل المختلفة المشروعة، كالمسروق، يعرف بالتحري والبحث عنه.
-ومنه ما لا يمكن التوصل إليه بالوسائل العادية، بل لا بد فيه من خبر صادق، كأحوال الآخرة، وما يكون في القبر، ونحو ذلك مما أطلع الله عليه نبيه ﷺ.
وفتح المندل للتوصل به إلى إلى شيء كسارق المال مثلا أو غير ذلك لا يجوز شرعاً، لأنه ضرب من ضروب العرافة والكهانة وإدعاء معرفة الغيب.
وقد ورد النهي الشديد عن ذلك وتوعد فاعله بأغلظ العقوبات.
-ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي ﷺ أن النبي ﷺ قال: “من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً”.
-ولأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ” من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ”.
-وللبزار والطبراني أن رسول الله ﷺ قال: ” ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له. ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ”.
قال البغوي: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة.
وقال ابن تيمية العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال، ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
ولا يخفى أن فتح المندل يكون بالاستعانة بالجن، وقد قال جل وعلا: ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) [الجن:6] .
فلا يجوز الاستعانة بالجن ولوكان ذلك في أمور يظهر أنها من أعمال الخير، لأن الاستعانة بهم تؤدي إلى مفاسد كثيرة، ولأنهم من الأمور الغيبية التي يصعب على الإنسان فيها الحكم عليهم بالإسلام، أو الكفر، أو الصلاح، أو النفاق، لأن الحكم بذلك يكون بناء على معرفة تامة بخلقهم ودينهم والتزامهم وتقواهم، وهذا لا يمكن الاستيثاق منه لانعدام مقاييس تحديد الصادقين والكاذبين منهم بالنسبة إلينا.
ولم يثبت عن النبي ﷺ، ولا خلفائه الراشدين، ولا الصحابة ولا التابعين، أنهم فعلوا ذلك، أو استعانوا بهم، أو لجؤوا إليهم في حاجاتهم.
ومع انتشار الجهل في عصرنا وقلة العلم قد يقع الإنسان في الشعوذة والسحر، بحجة الاستعانة بالجن في أعمال الخير، وقد يقع في مكرهم وخداعهم وهو لا يشعر، إلى ما في ذلك من فتنة لعامة الناس، مما قد يجعلهم ينحرفون وراء السحرة والمشعوذين بحجة الاستعانة بالجن في أعمال الخير.
وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه من أن استخدامهم في المباح والخير جائز كاستخدام الإنس في ذلك، فإنه في آخر كلامه ذكر أن من لم يكن لديه علم تام بالشريعة قد يغتر بهم ويمكرون به. انتهى