أحكام غسل الميت :

الجمهور على أن كلا من الزوجين يجوز له أن يغسل صاحبه، أما غير الزوجين فيغسل المحارم بعضهم بعضا من نفس جنسهم، ويقدم الأقرب من العصبة كالأب والابن والأخ والعم من نفس جنس الميت، الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، ثم الأجانب ـ غير المحارم ـ من نفس الجنس، ثم المحارم من الجنس الآخر عند الشافعية والمالكية، على أن لا يري أحد عورة الميت ذكرا كان أو أنثى، فيستر عورته ولا يمسها إلا وعلى يده خرقة حائلة.

وعند الحنابلة والحنفية لا يغسل قريبه غير المحرم من خلاف جنسه ولكن ييممه.

يقول الشيخ عطية صقر، من كبار علماء الأزهر الشريف، رحمه الله:

غُسْلُ الوفاة بين الجنسينِ إما أن يكون بين الزوجين وإما أن يكون بين غيرهما، ولِكُلٍّ حُكْمُهُ.

حكم غُسْلُ الزوج لزوجته :

وَرَدَتْ في ذلك عِدَّةُ أحاديث منها:

أ ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: رَجَعَ إِلَىَّ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِنْ جنازة بالبقيع وأنا أَجِدُ صُدَاعًا في رأسي وأقول: وَارَأْسَاهُ، فقال “بل أنا وارأساهُ، ما ضَرَّكِ لو مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وكَفَّنْتُكِ ثم صَلَّيْتُ عليك ودَفنتك” رواه أحمد وابن ماجة وأصل الحديث عند البخاري وليس فيه “غسلتك” نيل الأوطار ج 4 ص 29.

ب ـ روى الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن أن عليًا ـ رضي الله عنه ـ غَسَّلَ فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وأخرجه الشافعي “كشْف ُالغُمَّة للشعراني” ج 1 ص 206.

جـ ـ أوصت فاطمة بنت عُمَيْسٍ أنْ يُغسلها علي بن أبي طالب وأسماء، فَغَسَّلَاهَا ولم يُنْكِرْ أَحَدٌ من الصحابة عليهما ذلك فكان إجماعًا، كما ذكره الشوكاني في “نيل الأوطار ج 4 ص 29” أخرجه الشافعي وابن عبد الله كما في شرح الزرقاني على المواهب “ج 3 ص 206”.

د ـ وجاء في “كشف الغمة” للشعراني أن عبد الله بن مسعود غَسَّلَ زوجته حين ماتتْ.

حكم غُسْلُ الزوجةِ لزوجها :

ورد في ذلك آثار منها:

أ ـ قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غَسَّلَ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا نِساؤُهُ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه.

ب ـ أوصى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أنْ تُغَسِّلُهُ زوجته أسماء بنت عُميس فَغَسَّلَتْهُ ولم يُخالف ذلك أحد من الصحابة ، أخرجه البيهقي “نيل الأوطار ج 1 ص 260”.

وروى مالك في “الموطأ” أنها غسلته وكان اليوم شديد البرودة وهي صائمة فلم تَغْتَسِلْ من غُسْلِهِ. “المرجع السابق”.

بعد هذه المرويَّاتِ قال الشوكاني “ج 4 ص 29”: قال أحمد: لا تُغسله، لبطلان ِالنِّكاح، ويجوز العكس عنده كالجمهور، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشعبي والثوري: لا يجوز أن يغسلها، لمثل ما ذَكَرَ أحمد، ويجوز العكس عندهم كالجمهور قالوا: لأنه لا عِدَّةَ عليه بخلافها.

وجاء في كتاب “الفقه على المذاهب الأربعة” أن الزوج لو مات فإن للزوجة أنْ تُغَسِّلَهُ، وذلك بالاتفاق حتى لو كانت مطلقة، لكن أبا حنيفة وأحمد قالا: إذا كانت بَائِنًا فليس لها أن تغسله ولو كانت في العِدَّةِ. وإذا ماتت الزوجة غسلها زوجها، إلا أن أبا حنيفة منع ذلك؛ لأنها صارت أجنبية عنه.

حكم الغسل بين غير الزوجين:

جاء في كتاب “الفقه على المذاهب الأربعة” قال المالكية: إذ ماتت المرأة وليس معها زوجها ولا أحد من النساء، فإن كان معها مَحْرَمٌ لها غَسَّلَهَا وُجوبًا، وَلَفَّ على يديه خِرْقَةً غَلِيظَةً مع سِتَارَةٍ بينه وبينها، فإن لم يُوجد مَحْرَمٌ يَمَّمَهَا وَاحِدٌ لِكُوعَيْهَا فقط. وإذا مات رجل ولم توجد زوجته غَسَّلتْهُ محرمة بِخِرْقَةٍ مع سَتْرِ عَوْرَتِهِ، فإنْ لم تُوجد محرم يَمَّمَتْهُ الأجنبيةُ إلى المرفقينِ.

وقال الحنفية: إذا ماتتْ المرأة ولم تكن هناك نساء يَمَّمَهَا المحرم إلى المرفق، ويممها الأجنبيُّ مع وَضْعِ خِرْقَةٍ على يده وغَضِّ بصره، والزوج كالأجنبيِّ إلا أنه لا يُكَلَّفُ غَضَّ البصر، وإذا مات الرجل بين نساء ليس فيهم زوجته غَسَّلَتْهُ القاصرةُ، فإن لم تُوجد يَمَّمَتْهُ إلى المرفقينِ مع غَضِّ البصر.

وقال الشافعية: إذا ماتت بين رجال ليس فيهم زوج ولا مَحْرَمٍ يَمَّمَهَا الأجنبي إلى المرفقين، مع غَضِّ البصر وعدم اللمس، أما الزوج فَيُغسلها، وكذلك المحرم إن لم يوجد الزوج، وإذا مات الرجل بين نساءٍ ليس فيهن زوجته ولا محرم يَمَّمَتْهُ الأجنبيةُ بِحَائِلٍ يَمنع اللمس مع غَضِّ البصر، أما الزوجة فتغسله وُجوبًا، وكذلك المحرم عند عدم الزوجة.

وقال الحنابلة: إذا ماتت المرأة ولم يُوجَدْ زَوْجٌ يَممها المحرم، وإلا يَممها الأجنبي بحائل، وإذا مات الرجل ولم تُوجد زوجته يَممته الأجنبية بحائل، أما المحرم فلا يُشترط الحائل في تيمم الرجل أو المرأة.