جواب هذا السؤال يحتاج إلى أن نتكلم عن ثلاثة أحوال:

– فعل الخطأ مجرداً.

-فعل الخطأ مع سرعة وتهور في القيادة.

-فعل الخطأ أو الهروب عن مكان الحادث.

أولاً:ـ إذا ارتكب السائق حادثاً مرورياً يعتبر حق الفعل الجاري مجرى الخطأ، سواء أدى إلى إتلاف عضو أو إتلاف نفس، فإن أتلف نفساً كان من القتل الجاري مجرى الخطأ، وهو يختلف عن الخطأ المحض في صورته ويتفق معه في عفويته، فالخطأ يقع على ثلاثة أنواع:
1 ـ خطأ في الفعل، كالذي يصوب بندقيته ليصطاد طائراً فيصيب إنساناً.
2 ـ خطأ في القصد كالذي يصوب بندقيته على إنسان ظاناً أنه صيد.
3 ـ خطأ متولد من النوعين، كمن يطلق بندقيته على إنسان يظنه صيداً فيصيب إنســـاناً آخر.
لكن القتل الجاري مجرى الخطأ لا يكون فيه لدى الجاني أي قصد في ذلك ولكن الجريمة وقعت وكانت علاقة السببية بين فعل الجاني والجريمة التي حدثت مباشرة.
ومن الفقهاء من لا يفرق بين الخطأ ويعتبره كله من الخطأ دون تفريق.
وحكمه أنه في معنى القتل الخطأ من كل وجه، ومثاله أن يتقلب نائم على آخر فيقتله، ومنه أن يصيب بسيارته آخر فيقتله، لأن السيارة كالآلة تحت يد الجاني فيضاف فعلها لفعل الراكب فيكون القتل قد حصل على سبيل المباشرة، وكان بمكنة الجاني بنوع احتياط أن يتحرز عن الفعل الذي أدى إلى القتل.
وهذا الفعل تجب فيه دية القتل الخطأ وهي الدية والكفارة.

ثانياً: إذا كان هذا الشاب متهوراً في قيادته، أو متجاوزاً حدود السرعة، فيجوز أن توقع عليه العقوبة المحددة للقتل الخطأ أو لما دون النفس. ويزاد عليه في العقوبة عقوبة تعزيرية، وهي عقوبة تقديرية للقاضي أو ينص عليها القانون، والتعزير هنا هو حق لله أو هو حق للمجتمع، لأن التعزير ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما هو حق لله، ويُراد به ما تعلق به نفع لعموم المجتمع وما يندفع به ضرر عام يقع على الناس، وهو مشروع لما فيه من دفع الضرر عن العامة.
والثاني: ما هو حق للعبد وهو ما تعلقت به مصلحة خاصة لأحد الأفراد.
فكل من كان متسبباً بفعل خطأ مع تهور يستحق هذه العقوبة الإضافية أو التشديد في العقوبة تحقيقاً للمصلحة العامة، بل يجوز أن نوقع به العقوبة التعزيرية، ولو لم يقع الفعل المخوف ذاته، كالتصادم أو إتلاف النفس أو ما دون النفس، وذلك للحفاظ على المصلحة العامة.
وقد يتسبب بعض الشباب ـ بسبب السرعة والتهور في قيادة سياراتهم ـ في مضايقة الغير والتسبب باصطدام يقع بين الآخرين، فهذا الفعل يعاقب عليه أيضاً لأن ما يقع بسبب هذا الفعل يُعتبر من قبيل القتل أو ما دونه بالتسبب، وعقوبته عقوبة القتل الخطأ فتجب عليه الدية والكفارة عند جمهور الفقهاء، وبعضهم يوجب الدية دون الكفارة والحرمان من الإرث إذا كان من الوارثين.

ثالثاً: إذا جمع هذا الشاب وأمثاله إلى جانب تهوره وتسببه في الحوادث أن هرب فإن هذا قد يكون جريمة مستقلة أخرى. فإذا كان التهور تجاوز حدود السرعة المسموح بها يعتبر ما ينتج عنه من نتائج مسؤولية شرعية وقانونية توجب شرعاً الدية أو الأرش وتجيز عقوبة تعزيرية أيضاً رعاية لمصلحة المجتمع، فإن الهروب يستحق عقوبة من باب أولى.
فإذا قبض على هذا الجاني فينظر في حاله: إن تسبب هروبه في فعل آخر يُعاقب تبعاً له، كمن صدم سيارة آخر في مكان لا يوجد فيه مارة أو رآه مجروحاً وينزف دماً فتركه وهرب ثم أفضى هذا الجرح والنزيف إلى وفاته، فإنه يعاقب عقوبة القتل الخطأ ويشدد عليه في تسببه وسراية الجرح إلى الوفاة.
ويمكن أن تنسب له حينئذ جريمة قتل عمدية، بطريق السلب لتركه إنقاذ حياة إنسان كان بإمكانه أن ينقذه، وإنما تكون الجريمة حينئذ عمدية إذا كان قصده من تركه هو موته، أو كان بإمكانه أن ينقذه ويدرك أنه إن تركه ربما أدى ذلك إلى وفاته ومع هذا تركه، فإن مات يُنسب قتله لمن هرب، وتكون جريمة قتل عمدية.