عمل المرأة خارج بيتها جائز ما دامت المرأة ستراعي الضوابط التي وضعها الفقهاء لهذا العمل.
هل عمل المرأة خارج البيت حرام
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
أمر الإسلام بالعمل، فقال الحق سبحانه: (وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون) ووعَد الشارع بالجزاء عليه.
وعمل المرأة في داخل البيت أو خارجه لا يمنع منه الإسلام، فقد كانت زوجات رسول الله ـ ﷺ ـ يَعمَلنَ في داخل بيوتهنَّ أعمالاً قد تمتنع الكثيرات في زماننا من عملها، فقد كُنَّ يَصبُغنَ ثيابَهنَّ ويَقُمنَ بدبغ الجلود، إلى جانب إعمالهنَّ المنزلية الأخرى؛ من إعداد الطعام، والاهتمام بأمر بيوتهنَّ، والقيام على خدمة رسول الله ـ ﷺ ـ يدل لهذا ما رُوي عن امرأة من بنى أسد قالت: كنت يومًا عند زينب امرأة رسول الله ـ ﷺ ـ ونحن نَصبُغ ثيابنا بمَغْرَة. والمَغْرَة هي الصِّبْغ الأحمر.
-ورُوي عن جابر أن رسول الله ـ ﷺ ـ رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تَمعَس مَنِيئة فقضَى حاجتَه ثم خرج إلى أصحابه. والمَعْسُ: هو الدلك. والمَنِيئة: هو الجلد أولَ ما يوضع في الدباغ.
-وقد كانت السيدة عائشة تقوم بإعداد الدواء الذي يصفه الأطباء من الأعشاب وغيرها لرسول الله ـ ﷺ ـ وتقوم بإعطائه له، كما كانت تقوم بتمريضه، إلى جانب عملها في المنزل.
-وقد كانت زوجات الصحابة يَقُمنَ بمثل هذه الأعمال في بيوتهنَّ؛ فقد كانت السيدة فاطمة تقوم بالعمل في البيت بطحن الحبوب في الرَّحَى حتى مَجَلَت يداها وتَوَرَّمَتَا من كثرة إدارة الرَّحَى، ولم ينكر عليها رسول الله ـ ﷺ ـ ذلك
-وقد كانت أسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير بن العوام تعمل في بيتها وخارجه أعمالاً مضنية، فقد كانت تَعلِف الجمل، وتُطعم الفرس، وتقوم على أمر زوجها وأولاده، بل كانت تَجلب عَلَف الدّوَابّ من أرض الزبير على بعد ثلاثة كيلو مترات من المدينة سائرة على قدميها، ورأها رسول الله ـ ﷺ ـ على هذه الحال ولم ينكر عليها.
هل الإسلام يمنع عمل المرأة خارج المنزل
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس: عمل المرأة خارج المنزل لم يمنع منه الإسلام كذلك، فقد كان في زمان رسول الله ـ ﷺ ـ نساء يَعمَلنَ أعمالاً خارج بيوتهنَّ، وعلم رسول ـ ﷺ ـ بأمرهنَّ وأقرَّهنَّ على ذلك، من بين هؤلاء النسوة أمُّ عطية التي كانت تقوم بخَفْضِ الإناث بالمدينة وغسل الموتى منهنَّ وتكفينهنَّ والقيام على أمرهنَّ حتى يُدْفَنَّ، والتي كانت تقوم بعمل الإسعافات الأولية للجرحى في ساحة القتال والقيام بتمريضهنَّ ومداواتهنَّ، وصنع الطعام للجنود.
ومن بين النسوة العاملات خارج البيت كذلك رُفيدة الأسلمية أول طبيبة في الإسلام، والتي جعل لها رسول الله ـ ﷺ ـ خيمة في مسجده في المدينة لتقوم فيها بمداواة الجرحى والمصابين في غزوة الخندق.
ومن هؤلاء أيضا الرُّبَيِّعُ بنت مُعَوِّذ وأمُّ سلَيم وعائشةُ اللاتى كُنَّ يَخرُجنَ مع رسول الله ـ ﷺ ـ في الغزوات المختلفة لِسَقْي الجنود ومناولة العتاد الحربي للمقاتلين، وصنع الطعام، ومداواة الجرحى، والقيام على أمر المرضى، ونقل القتلى إلى حيث يدفنون
وقد كانت الشفاء بنة عبد الله تخرج لتعلِّم نساء المسلمين الطب والكتابة والطب بأمر من رسول الله ﷺ. وكان من النساء العاملات خارج بيوتهنَّ أمُّ مِحْجَنٍ، التي كانت تقوم بتنظيف المسجد النبويّ، والتي افتقدها رسول الله ـ ﷺ ـ يومًا فأخبره الصحابة أنها ماتت فقبَروها ولم يُعلموا رسول الله ـ ﷺ ـ بموتها في حينه لأنه كان نائمًا، فذهب إلى قبرها وصلى .
وقد ولَّى عمرُ رضى الله عنه، خليفةُ المسلمين، امرأةً من قومه يقال لها “الشفاء” وظيفة الحِسبة في السوق، وذلك للإشراف على الناس فيه وتبيُّنِ مدى مراعاتهم لأحكام الإسلام في بياعاتهم، وتعزير المخالف منهم.
كل هذا وغيره دليل على أن الإسلام لم يمنع عمل المرأة من القيام بالأعمال المختلفة خارج المنزل، سواء كانت ذات زوج أو لم تكن، إلا أن الإسلام وضع ضوابطَ مختلفةً لعمل المرأة خارج المنزل، قصَد بها حمايتَها وصيانتَها وأمنَها، والإرفاقَ بها وعَدَمَ ترتب المفاسد على خروجها لمزاولته.
ضوابط عمل المرأة خارج بيتها
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس: من هذه الضوابط الآتي:
-أن تستر المرأة عورتها بما لا يَصِفُ ولا يَشِفّ.
-وأن تخرج معطَّلة من كل زينة.
-وألاّ ترتديَ ثيابًا تَشهَرُها وتدعو إلى تعلق أنظار الرجال بها في ذهابها وإيابها.
-وألاّ تخرج متبرجة كاشفة عما يجب عليها سترُه من عورتها.
-وألاّ تَمَسَّ بدنَها أو ثيابَها طِيبًا.
وأن تُؤمَنَ الفتنةُ بخروجها لمزاولة عملها.
-وألاّ تختلط بالرجال الأجانب عنها أو تزاحمهم في المواضع التي تشتد مزاحمتهم فيها، كما هو الحال عند الدخول إلى أماكن العمل أو الخروج منها أو عند ركوب سيارات جهة العمل.
-وعدم التكسر أو التثنِّي أثناء السير على نحو يثير الغرائز.
-وأن تقوم بالأعمال التي تتفق وطبيعتَها الفسيولوجية والتي تناسب تكوينها.
-وأن تستأذن وليَّها أو زوجَها في الخروج لمزاولة هذا العمل.
-وألاّ يترتب على مزاولتها لهذا العمل ضياعٌ لحقوق الزوج والأولاد إن كانت المرأة العاملة ذاتَ زوج أو أولاد.
والأدلة على هذه الضوابط كثيرة من الكتاب والسنة إلا أن المقام يضيق عن ذكرها.
التوفيق بين عمل المرأة خارج البيت وداخله
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح محمود إدريس: أشير في هذا الصدد إلى أن بوسع المرأة في زماننا أن تقوم بالعمل في خارج المنزل ولا يترتب على عملها خارجه إخلال بواجبات الزوج والأولاد، إذا استطاعت المرأة أن توازن بين واجبات العمل وواجبات الأسرة عليها، وخاصة بعد هذه الطفرة الهائلة في مجال الأجهزة المنزلية المساعدة لإعداد الطعام وتنظيف البيت ومساعدة باقي أفراد الأسرة، فقد وفرت هذه الأجهزة الكثير من الوقت، يضاف إلى هذا ما وفرته الدولة من وسائلَ تُعين المرأة على أداء عملها دون تضييع أو تفريط في حق باقي أفراد الأسرة؛ كإنشاء دور الحضانة التابعة للمصالح الحكومية، التي ترعى الأطفال الصغار للسيدات العاملات خلال مدة عملهم اليوميّ، إلى جانب توفير وسائل النقل المناسبة لنقل المرأة العاملة إلى مكان عملها وعودتها منه.
هذا بالإضافة إلى ما ينبغي أن تقوم عليه الحياة الأسرية الآن من توزيع الأدوار والأعباء بين الزوجين، حتى لا يستريح طرف على حساب معاناة الطرف الآخر، وبمثل هذا يسير زورق الحياة آمنًا في هذا البحر المتلاطم الأمواج، وتتمكن المرأة من أداء دورها في الحياة كعضو عامل في المجتمع مؤثِّر فيه، من غير إخلال بدورها في رعاية أسرتها، نواةِ هذا المجتمع وإحدى لَبِناته الأساسية.