قبل مناقشة هذا القول نقرر أنه من أصول أهل السنة والجماعة ، سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ﷺ ، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة ، وسلامة ألسنتهم من كل قولٍ لا يليق بهم ؛ لقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم } سورة الحشر.
هل أوصى الرسول ﷺ بالخلافة لعلي؟
القول بأن الرسول ﷺ أوصى لابن عمه علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة فهذا قول لايصح ، والرسول ﷺ لم يوصِ وصية قاطعة بهذا الأمر لأحد من الناس بل كانت عموم الأحاديث ترجح كفة الصديق أبي بكر ، ولذا بايعه الناس بالخلافة.
ومذهب أهل السنة أن أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله ﷺ هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه لاستفاضة الأدلة بهذا مثل الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ “.
هل أوصى الرسول بالخلافة؟
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى المملكة العربية سابقا ـ رحمه الله :
هذا القول لا يُعرف عن أحد من طوائف المسلمين، وهو قول باطل لا أصل له في الأحاديث الثابتة عن رسول الله ﷺ ، وإنما دلت الأدلة الكثيرة على أن الخليفة بعده هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعن سائر أصحاب النبي ﷺ.
ولكنه ﷺ لم ينص على ذلك نصاً صريحاً ، ولم يُوصِ به وصية قاطعة ، ولكنه أمر بما يدل على ذلك حيث أمره بأن يؤم الناس في مرضه ، ولما ذكر له من أمر الخلافة بعده ، قال عليه الصلاة والسلام : ( يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) ولهذا بايعه الصحابة رضي الله عنهم ، وأجمعوا على أن أبا بكر أفضلهم .
وثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون في حياة النبي ﷺ : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ) ، ويُقرهم النبي ﷺ على ذلك .
وتواترت الآثار عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) وكان يقول رضي الله عنه : ( لا أوتى بأحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري ) ، ولم يدِّع لنفسه أنه أفضل الأمة ، ولا أن الرسول ﷺ أوصى له بالخلافة ، ولم يقل : إن الصحابة رضي الله عنهم ظلموه وأخذوا حقه .
بل لما توفيت فاطمة رضي الله عنها ، بايع الصديق بيعة ثانية تأكيداً للبيعة الأولى ، وإظهاراً للناس أنه مع الجماعة وليس في نفسه شيء من بيعة أبي بكر رضي الله عنهم جميعاً ، ولما طُعن عمر وجعل الأمر شورى بين ستة من العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن جملتهم علي رضي الله عنه لم ينكر على عمر ذلك لا في حياته ولا بعد وفاته ، ولم يقل : إنه أولى منهم جميعاً فكيف يجوز لأحد من الناس أن يكذب على رسول الله ﷺ ويقول : إنه أوصى لعلي بالخلافة ، وعلي نفسه لم يدِّع ذلك ، ولا أدّعاه أحد من الصحابة له ، بل قد أجمعوا على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، واعترف بذلك علي رضي الله عنه ، وتعاون معهم جميعاً في الجهاد والشورى وغير ذلك ، ثم أجمع المسلمون بعد الصحابة على ما أجمع عليه الصحابة ؛ فلا يجوز بعد هذا لأي واحد من الناس ولا لأي طائفة أن يدّعوا أن علياً هو الوصي ، وأن الخلافة التي قبله باطلة ، كما لا يجوز لأي أحد من الناس أن يقول :إن الصحابة ظلموا علياً وأخذوا حقه ، بل هذا من أبطل الباطل ومن سوء الظن بأصحاب رسول الله ﷺ ومن جملتهم علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين .
وقد نزَّه الله هذه الأمة وحفظها من أن تجتمع على ضلالة ، وصحّ عنه ﷺ في الأحاديث الكثيرة أنه قال : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ) فيستحيل أن تجتمع الأمة في أشرف قرونها على باطل ، وهو خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر ، كما لا يقوله من له أدنى بصيرة بحكم الإسلام .