يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
قوله تعالى : [ عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ]( الجن : 26-27 ) يراد بالرسول فيه : النبي المرسل المبلغ عن الله تعالى دينه بدليل قوله تعالى في الآية التي بعد هذه : [ لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِم ](الجن : 28).
المراد بالغيب الذي يظهر الله من ارتضى من رسله عليه هو : عالم الآخرة فقد أظهرهم على أمر الحساب والجزاء ، وأعلمهم بأن هناك دارًا للنعيم ، ودارًا للعذاب وأطلعهم على عالم الملائكة…الخ ما أبلغوه من رسالات ربهم كما هو منصوص في الكتاب العزيز ، وليس معناه أن الله تعالى يطلع الرسل على ما غاب من أمر العباد وما يجري لهم في الدنيا من رزق ونعيم وبلاء وغير ذلك ، والدليل على أن هذا غير مراد ما أمر الله تعالى خاتم النبيين أن يبلغه للناس عن نفسه بقوله : [وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ]( الأعراف : 188 ) وما حكاه أيضًا عن غيره من رسله ، كقوله عن لسان نوح عليه السلام : [ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ]( هود : 31 ) الخ ، وأمر نبينا بمثل هذا في سورة الأنعام.