جاء في مجلة البحوث الإسلامية:
علة الربا في النقدين :
اختلفوا في ذلك على قولين :
القول الأول : أن العلة فيهما الوزن ، وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه إعلام الموقعين لابن القيم ص137 ج 2 ، والمبدع ص128 ج 4 . ومذهب أبي حنيفة بدائع الصنائع ص183 ج 5 . فعلى هذا القول يجري الربا في كل موزون مطعوما كان أو غيره لقوله ﷺ : صحيح البخاري البيوع (2066),صحيح مسلم المساقاة (1590),سنن النسائي البيوع (4579),مسند أحمد بن حنبل (5/38). لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن , وعلى هذا لا يجري الربا في النقود الورقية المستعملة اليوم ولا في الفلوس من غير ذهب أو فضة لأنها غير موزونة .
القول الثاني : أن العلة فيهما الثمنية وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الثانية انظر مغني المحتاج ص25 ج 2 ، وبداية المجتهد ص129 ج 2 ، وإعلام الموقعين ص137 ج 2 . , قال العلامة ابن القيم الثانية انظر مغني المحتاج ص25 ج 2 ، وبداية المجتهد ص129 ج 2 ، وإعلام الموقعين ص137 ج 2 . . وهذا هو الصحيح بل الصواب , وعلل لذلك بأمرين :
الأمر الأول : أنهم أجمعوا على جواز إسلامهما في الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما من الموزونات ، فلو كان النحاس والحديد ربويين لم يجز بيعهما إلى أجل بدراهم نقدا؛ فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز التفاضل فيه دون النسأ , والعلة إذا انتقضت من غير فرق مؤثر دل على بطلانها .
الأمر الثاني : أن التعليل بالوزن ليس فيه مناسبة فهو طرد محض بخلاف التعليل بالثمنية , فإن الدراهم والدنانير أثمان المبيعات , والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم الأعمال . ا ه .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والأظهر أن العلة في ذلك هي الثمنية لا الوزن مجموع الفتاوى ص471 ج 29 . , وبناء على هذا القول فإنه يجري الربا في الأوراق النقدية المتعامل بها في هذا العصر , وقد جاء في قرار هيئة كبار العلماء حول هذا الموضوع ما نصه : مجلة البحوث الإسلامية , المجلد الأول , رجب , شعبان , رمضان 1395ه . وحيث إن القول باعتبار (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 119)
مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلا والأقرب إلى مقاصد الشريعة , وهو إحدى الروايات عن الأئمة : مالك وأبي حنيفة وأحمد , قال أبو بكر : روى ذلك عن أحمد جماعة كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما , وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها : أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان , وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار , بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس , وأن الورق الأمريكي جنس , وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية :
أولا : جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الأثمان كالفلوس وهذا يقتضي ما يلي :
أ- لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقا , فلا يجوز مثلا بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة .
ب- لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلا سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد , فلا يجوز مثلا بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالا سعوديا ورقا .
ج – يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقا إذا كان ذلك يدا بيد , فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكثر , وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد , ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يدا بيد ؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه , ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة .
ثانيا : وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة , أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها . (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 120)
ثالثا : جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات . ا ه ، هذا ما قررته الهيئة وهو قرار يتسم بالوضوح وسلامة المبنى , حيث بني على القول الراجح باعتبار العلة في النقدين الثمنية فيتعدى ذلك إلى كل ما جعل أثمانا , لكن لم يتضح لنا وجه اعتبار النقود الورقية إذا اختلفت جهات إصدارها أجناسا مختلفة يجوز فيها التفاضل , والقرار لم يوضح وجه ذلك , ولئن كان اختلاف الجنس واضحا بين نقود الذهب والفضة ونقود الورق لاختلاف مادة كل منها عن الأخرى فليس ذلك واضحا في نقود الورق التي هي من مادة واحدة اختلف اسمها فقط واختلفت جهة إصدارها , ولم نر لاختلاف الاسم والجهة أثرا في نقود الذهب والفضة لما كانت مادتهما واحدة , كما أن القرار اعتبرها متقومة في مسألة الزكاة كالعروض , فلم يتحرر له رأي فيها .
وبعض الباحثين من علماء العصر هو الشيخ عبد الرحمن السعدي ، انظر الفتاوى السعدية ص318 ، 327 -328 . يميل إلى جواز ربا الفضل في الأوراق النقدية دون ربا النسيئة , وبرر ذلك بعدة أمور :
1 –أن تحريم ربا الفضل إنما كان لأجل أنه وسيلة إلى ربا النسيئة .
2 –لأن بعض العلماء أجازه (أي ربا الفضل ) وإن كان محجوجا بالأدلة الشرعية .