إن تحقق العلامات الصغرى ليوم القيامة مثل أن تلد الأمة ربتها، وتطاول الفقراء في البنيان قد وردت في السنة، وهي دليل على صدق النبي -ﷺ- وصدق رسالة الإسلام، وإعجازها.
روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد؛ حتى جلس إلى النبي ﷺ فاسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام …إلى أن قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، قال فأخبرني عن أماراتها ؟ قال : أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ، ثم انطلق فلبث مليا ثم قال يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ؟ قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
سأل جبريل النبي ﷺ عن الساعة متى تكون ؟ فنفى ﷺ أن يكون عنده علم بوقتها لأن ذلك مما استأثر به الله ولم يطلع عليه أحدا من خلقه كما قال عز وجل :(وعنده علم الساعة)، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة.
لكن الساعة لها علامات تتقدمها وأمارات تدل على قربها، فلذلك لما نفى النبي ﷺ العلم بوقتها سأله جبريل عن علاماتها فذكر له النبي ﷺ علامتين:
إحداهما: أن تلد الأمة ربتها أي سيدتها وذلك أن يشتري الرجل الأمة أو يغنمها في الجهاد فتلد له فيكون ذلك المولود أو المولودة سيدا للأمة الوالدة ومالكها لأنها من متاع أبيه، وهذه الظاهرة وجدت بكثرة في القرون الأولى بسبب ولع المسلمين بالجهاد والفتوح ، حتى إن خلفاء بني العباس أكثرهم أولاد إماء بمعنى أنهم سادات لأمهاتهم.
الثانية: تطاول الفقراء في البنيان وهي ظاهرة عرفناها نحن كما عرفها من قبلنا فتجد الرجل الفقير المعدم الذي لا يجد ما يسد به خلته لا تمر عليه الأيام حتى تقبل عليه الدنيا فيصبح غنيا ذا ثروة ومال ، فيبني العمارات العالية، ويشيد القصور الفخمة، وليست هذه الحال بعيب لمن اتصف بها ولا ذم لمن ظهرت عليه ، وإنما هي ظاهرة من الظواهر التي أخبر النبي ﷺ أنها ستتقدم الساعة، وليس كل علامات الساعة مذمومة، وأول من ظهرت عليهم هذه الحال وانطبق عليهم هذا الوصف الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد كان فيهم من كانوا في أول الأمر حفاة عراة عالة ثم صاروا أصحاب غنى وثروة ومال بعد أن فتح الله عليهم البلاد وأتاهم المال من كل حدب وصوب.
هذا وقد أخبر النبي ﷺ بعلامات كثيرة للساعة منها ما ظهر في القرون الماضية، ومنها ما يظهر ونعيشه اليوم، ومنها ما لم يظهر بعد كالعلامات الكبرى من طلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى، وخروج الدجال، وغير ذلك .
والإخبار بهذه العلامات هو معجزة قائمة للنبي ﷺ على مـر العصور والأجيال فإنك تجد فـي هذا الأخبار وصـفا دقيقا لأجيال لم تكن موجودة في عصر النبوة ثم ظهرت طبقا لما أخبر النبي ﷺ ووصف.
ولا زلنا نشاهد من مثل هذا ما يبهر العقول ويملأ النفوس إيمانا بصدق هذا الرسول الكريم وتعلقا بشريعته الغراء المطهرة .