من أخبث الذنوب جريمة اللواط، وقد شدد التشريع في تقبيحها، وعقوبتها، ومن المعلوم أن كثيرا من الأمراض تنتشر بسببها، ومع ذلك فقد فتح الله تعالى باب التوبة على مصراعيه لكل تائب ، ويجب على من اقترف الذنب وتاب منه، أن يقترب من الله تعالى ويكثر من الصالحات، ويجالس الصالحين.
يقول فضيلة الشيخ محمد المنجد:
سنتكلم في نقاط أربعة وهي : قبح وشناعة فاحشة اللواط ، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية ، وبيان سعة رحمة الله للتائبين ، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة .
قبح وشناعة فاحشة اللواط
قال ابن القيم – عن قوم لوط – :
ذكر جمهور الأمة ، وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة – : ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط ، وهي تلي مفسدة الكفر ، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل – كما سنبينه إن شاء الله تعالى-.
قالوا : ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين ، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمَّة غيرهم ، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات : من الإهلاك ، وقلب ديارهم عليهم ، والخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة من السماء ، وطمس أعينهم ، وعذَّبهم ، وجعل عذابهم مستمراً ، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم ، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة ، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها ، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم ، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى ، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها .
وقتْل المفعول به خيرٌ له من وطئه ، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا تُرجي الحياة معه ، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد ،وربما ينتفع به في آخرته.
وقال :
وأتفق أصحاب رسول الله ﷺ على قتله ، لم يختلف منهم فيه رجلان ، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله ، فظنَّ بعض الناس ذلك اختلافاً منهم في قتله ، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة ، وهي بينهم مسألة إجماع .
ومن تأمل قوله سبحانه:” ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً ” الإسراء، وقوله في اللواط :” أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين” الأعراف ، تبين له تفاوت ما بينهما ؛ فإنه سبحانه نكَّر الفاحشة في الزنا ، أي : هو فاحشة من الفواحش ، وعرَّفها في اللواط ، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة …
ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم فقال :” ما سبقكم بها من أحد من العالمين” ، ثم زاد في التأكيد بأن صرَّح بما تشمئز منه القلوب ، وتنبو عنها الأسماع ، وتنفر منه أشد النفور، وهو إتيان الرجل رجلا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى، فقال :” أئنكم لتأتون الرجال”.
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه الرجال ، وقلبوا الطبيعة التي ركَّبها الله في الذكور ، وهي شهوة النساء دون الذكور ، فقلبوا الأمر ، وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء ، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها ، وكذلك قلبهم ، ونكسوا في العذاب على رؤوسهم .
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد، فقال:” بل أنتم قوم مسرفون”.
فتأمل هل جاء ذلك – أو قريبٌ منه – في الزنا ، وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله:” ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث” ، ثم أكَّد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال :” إنهم كانوا قوم سوء فاسقين” الأنبياء ، وسماهم مفسدين في قول نبيهم فقال :” رب انصرني على القوم المفسدين” الأنبياء ، وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام : ” إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين” العنكبوت.
فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه الذمات .
ما تسببه هذه الفاحشة من مضار صحيَّة
قال الدكتور محمود حجازي في كتابه ” الأمراض الجنسية و التناسلية ” – وهو يشرح بعض المخاطر الصحية الناجمة عن ارتكاب اللواط – :
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق الشذوذ الجنسي ( اللواط ) هي :
1- مرض الأيدز، وهو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت .
2- التهاب الكبد الفيروسي .
3- مرض الزهري .
4- مرض السيلان .
5- مرض الهربس .
6- التهابات الشرج الجرثومية .
7- مرض التيفوئيد .
8- مرض الأميبيا .
9- الديدان المعوية .
10- ثواليل الشرج .
11- مرض الجرب .
12- مرض قمل العانة .
13- فيروس السايتو ميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج .
14- المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي .
هل تقبل التوبة من الشذوذ
مما سبق يتبين عظم وقبح وشناعة هذه الفاحشة ، وما يترتب على فعلها من آثار ضارة ، ومع ذلك فالباب مفتوح لتوبة العاصين ، والله تعالى يفرح بتوبتهم .
وتأمل قول الله تعالى : ” والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون . ومن يفعل ذلك يلق أثاماً . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً . إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ” الفرقان.
وعند التأمل في قوله تعالى :” فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات” يتبين فضل الله العظيم .
وقد قال المفسرون هنا معنيين للتبديل :
الأول : تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا .
والثاني : تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة
فالواجب التوبة إلى الله توبة عظيمة ، واعلم أن الرجوع إليه سبحانه هو خير للشاذ ولأهله ولإخوانه وللمجتمع كافة .
وليعلم أن الحياة قصيرة ، وأن الآخرة خير وأبقى ، ولا ينس أن الله تعالى أهلك قوم لوط بما لم يهلك بمثله أحداً من الأمم غيرهم .
علاج من ابتلي بالشذوذ
أما العلاج لمن ابتلي بهذه المصيبة فهو كالآتي :
1- الابتعاد عن الأسباب التي يسرت الوقوع في هذه المعصية مثل :
– إطلاق البصر ، والنظر إلى النساء أو الشاشات .
– الخلوة بأحد من الرجال أو النساء .
2- الاشتغال دائماً بما ينفع في الدين أو الدنيا كما قال الله تعالى : ( فإذا فرغت فانصب ) فإذا فرغت من عمل في الدنيا فاجتهد في عمل من عمل الآخرة كذكر الله وتلاوة القرآن وطلب العلم وسماع الأشرطة النافعة …
وإذا فرغت من طاعة فابدأ بأخرى ، وإذا فرغت من عمل من أعمال الدنيا فابدأ في آخر … وهكذا ، لأن النفس أن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فلا تدع لنفسك فرصة أو وقت فراغ تفكر في هذه الفاحشة .
3- قارن بين ما تجده من لذة أثناء هذه الفاحشة ، وما يعقب ذلك من ندم وقلق وحيرة تدوم معك طويلاً ، ثم ما ينتظر فاعل هذه الفاحشة من عذاب في الآخرة ، فهل ترى أن هذه اللذة التي تنقضي بعد ساعة يقدمها عاقل على ما يعقبها من ندم وعذاب ، ويمكن تقوية القناعة بهذا الأمر والرضا به القراءة في كتاب ابن القيم ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) فقد ألفه رحمه الله لمن هم في مثل هذه الحالات.
4- العاقل لا يترك شيئاً يحبه إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه . وهذه الفاحشة تفوت على فاعلها نعيم الدنيا والآخرة ، ومحبة الله له ، ويستحق بها غضب الله وعذابه ومقته .
فقارن بين ما يفوتك من خير ، وما يحصل لك من شر بسبب هذه الفاحشة ، والعاقل ينظر أي الأمرين يقدّم .
5- وأهم من ذلك كله : الدعاء والاستعانة بالله عز وجل أن يصرف هذا السوء ، وليغتنم أوقات الإجابة وأحوالها ، كالسجود ، وقبل التسليم من الصلاة ، وثلث الليل الآخر ، ووقت نزول المطر ، وفي السفر ، وفي الصيام ، وعند الإفطار من الصيام .