موت الابن هو قضاء الله الذي لا راد له، ولا معقب لحكمه، ولكل حي أجل، فإذا انقضى فلا مجال لإمهال أو تأخير، كما قال تعالى: (إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ). يونس 49
وليس هناك علاقة سببية بين الموت وبين عدم الوفاء بالنذر، فالموت ظاهرة طبيعية، مبنيّة على سنن وأسباب، منها ما نعلمه، ومنها ما لا يعلمه إلا الله (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). (فاطر: 11(
وأما النذر الذي يجعله المسلم لله على نفسه فيلزمه الوفاء به، فإن الله تعالى قد أمر بالوفاء بالنذور، فقال تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (الحج: 29) وأثنى على عباده الأبرار فقال سبحانه: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) (الإنسان: 7) وذمَّ الذين ينذرون و لا يوفون، فقال جل شأنه: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ) (التوبة: 75- 77). والخطاب عن المنافقين .
وروى أبو داود أن امرأة أتت النبي ﷺ فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف – تغني إظهارًا للفرحة والبهجة – فقال لها: “أوفي بنذرك .
وموت الابن لا يسقط وجوب الوفاء بالنذر إذا كان النذر معلقا بشي خاص به وقد حصل.
بقيت هنا فائدتان في موضوع النذر نود أن ننبه عليهما :
الأولى: أن إنشاء النذر والالتزام به مكروه عند كثير من العلماء، ولو كان المنذور عبادة كالصلاة والصيام والصدقة .
والدليل على ذلك ما رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن ابن عمر قال: نهى رسول الله عن النذر، وقال: ” إنه لا يرد شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل “.
وفي رواية: ” النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل “.
والحكمة في الكراهية: خشية أن يعتقد بعض الناس أنه يرد القدر، أو يظن أن النذر يوجب حصول غرضه الخاص . أو يحسب أن الله يحقق له غرضه من أجل ذلك النذر، ولهذا قال في الحديث: ” إن النذر لا يرد شيئًا، أو لا يأتي بخير “.
وهناك خطر آخر يتمثل في نذر المجازاة: كقوله: إن رزقني الله ذكرًا، أو إن شفى الله ولدي، أو إن ربحت تجارتي لأتصدقن على الفقراء، أو لأنشئن مسجدًا أو نحو ذلك . ومعنى ذلك: أنه رتب فعل القربة المذكورة من الصدقة أو بناء المسجد على حصول غرضه الشخصي، فإذا لم يحصل غرضه لم يتصدق، ولم يبن المسجد .
وهذا يدل على أن نيته في التقرب إلى الله لم تكن خالصة ولا متمحضة، فحالته في الحقيقة هي حالة البخيل الذي لا يخرج من ماله شيئًا إلا بعوض يزيد على ما غرمه . ولهذا قال في الحديث: ” إنما يستخرج به من البخيل ” . وسر ثالث في كراهة الالتزام بالنذر، وهو ما فيه من تضييق على النفس، وإلزامها بما كان لها عنه مندوحة، وقد يغلبه الكسل أو الشح أو الهوى فلا يفي به، وقد يؤديه كارهًا مستثقلاً له بعد أن لم يعد له خيار في شأنه .
ومهما يكن من تعليل القول بكراهة النذر فإن الإجماع قائم على أن الوفاء به واجب وقد جاء الكتاب والسنة بذم الذين ينذرون ولا يوفون .
الفائدةالثانية: أن الوضع الصحيح للنذر أن يكون بما فيه قربة إلى الله كالصدقة والصلاة والصيام وعمل الخيرات ونحو ذلك .
ولهذا جاء في الحديث: ” لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله تعالى ” رواه أحمد وأبو داود .
ولهذا يرى بعض الأئمة: أن النذر إذا لم يكن بقربة لا يعد نذرًا، كما إذا نذر أن يفعل شيئًا مباحًا .