لا يجوز سؤال الرسول ﷺ المغفرة أو الدعاء بعد موته؛ لأنه –ﷺ- قد انقطع عمله بانتقاله إلى دار الآخرة، فهو في حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله عز وجل، قوله سبحانه وتعالى ” وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا” تفيد جواز التوسل برسول الله ﷺ حال حياته فقط، وقد انعقد إجماع الصحابة والتابعين على ذلك.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
لا يجوز لأحد أن يقول: [يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لي] سواء أكان ذلك عند قبر النبي ﷺ أو في أي مكان آخر ويعتبر هذا القول وسيلة من وسائل الشرك والعياذ بالله حيث إن سيدنا رسول الله ﷺ قد انتقل من هذه الدنيا إلى دار الآخرة فهو ﷺ في حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله عز وجل وقد قال سبحانه وتعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} -سورة الزمر الآية 30-. والرسول ﷺ لا عمل له حيث انقطع عمله بوفاته ﷺ.
وأما قول الله عز وجل {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } –سورة النساء الآية 64-. فالمراد بها المجيء إلى سيدنا رسول الله ﷺ حال حياته وليس بعد وفاته ويدل على ذلك قوله تعالى: { إِذْ } ومن المعلوم أن الأصل في لفظة ( إذ ) في لغة العرب أنها تستعمل لما مضى من الزمان ولا تستعمل للزمان المستقبل.
قال الجوهري [ إذ كلمة تدل على ما مضى من الزمان … ] الصحاح 2/560 وانظر لسان العرب 1/101. وأما لفظة إذا فتستعمل لما يستقبل من الزمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على من يستدل بالآية السابقة على جواز سؤال النبي ﷺ الدعاء حال موته: [ومنهم من يتأول قوله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} ويقولون إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصحابة ويخالفون بذلك إجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين فإن أحداً منهم لم يطلب من النبي ﷺ بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم وإنما ذكر ذلك من ذكره من متأخري الفقهاء وحكوا حكاية مكذوبة على مالك رضي الله عنه سيأتي ذكرها وبسط الكلام عليها إن شاء الله تعالى … ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 1/159.
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين عند حديثه عن أنواع التوسل: [النوع الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي ﷺ أن يدعو الله لهم مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب، فقال: ادع الله أن يغيثنا؛ وقول عكاشة بن محصن للنبي ﷺ: ادع الله أن يجعلني منهم. وهذا إنما يكون في حياة الداعي، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له: فقد انتقل إلى دار الجزاء ؛ ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي ﷺ أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر بالعباس عم النبي ﷺ فقال له: قم فاستسق؛ فقام العباس فدعا.
وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي ﷺ فقال: “السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً } وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي) وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح.
والآية ليس فيها دليل لذلك؛ لأن الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} ولم يقل: (إذا ظلموا أنفسهم) و (إذ) لما مضى لا للمستقبل؛ والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله ﷺ كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق.] التوسل حكمه وأقسامه ص 22-23.
وخلاصة الأمر أنه لا يجوز أن يقال: [يا رسول الله استغفر لي أو يا رسول الله ادع لي] سواء أكان ذلك عند قبر النبي ﷺ أو في أي مكان آخر .