الوسواس القهري مرض عسير يغيّر شخصية المريض ويفرض عليه خواطر ليست من تفكيره ولا تخطر له على بال، فمنهم من يعتريه هذا الوساوس إذا كان متزوجًا في شأن الطلاق من امرأته فيحسب كل كلمة تفوه بها قد تكون طلاقًا، ومنهم من يعتريه في شأن طهارته ووضوئه، فإذا توضأ أو اغتسل لا يكاد ينتهي من طهارته إلا بعناء ومشقة؛ لأنه يظن أنه لم يستوفِ أعضاء بدنه بالغسل المطلوب، ومنهم من يعتريه هذا الوسواس في عقيدته وإيمانه فيظن أن كل كلمة نطق بها وكل تصرف صدر منه قد مس عقيدته وخرج به عن دينه…
وكل هذا مرض لا يحاسب الله عبده عليه؛ لقوله تعالى: “ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج…” الآية. انتهى.
ويقول الإمام الشافعي في كتاب الأم: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله، لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ… ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله، فإن ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حداً أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق، فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه، وإذا طلق في حال إفاقته لزمه .انتهى.
فهذا هو الحكم العام أن الوسواس القهري يحول دون استيثاق صاحبه من أفعاله ، ولكن هذا لا يعمم على كل الموسوسين، بل يجب بحث كل حالة على حدة ، بحيث تخضع الحالة للنظر الفقهي مع الطب النفسي عند وقوعها.