اتفق الفقهاء على أن طرق توثيق الدين أربعة ‏:‏ ‏
‏‏‏ ‏‏ أولا: توثيق الدين بالكتابة ‏‏:  ‏دلت آية الدين وهي قوله تعالى ‏ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)‏ إلى آخر الآية 282 من سورة البقرة، على مشروعية توثيق الدين بالكتابة المبينة له ‏، المعربة عنه ‏، المعرفة للحاكم بما يحكم عند الترافع إليه ‏، وذلك في صك موضح للدين بجميع صفاته ‏.‏ ‏

‏غير أن الفقهاء اختلفوا في حجية الكتابة في توثيق الدين على قولين ‏:‏ ‏
‏‏فذهب الجمهور ‏(‏ الحنفية والمالكية والحنابلة ‏)‏ إلى صحة توثيق الدين بالكتابة ‏، وأنها بينة معتبرة في الإثبات إذا كانت صحيحة النسبة إلى كاتبها ‏.‏ ‏

‏‏وذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية عنه وجماعة من الفقهاء إلى أنه لا يعتمد على الخط المجرد إذا لم يشهد عليه ‏؛‏ لأن الخطوط تشتبه والتزوير فيها ممكن ‏، وقد تكتب للتجربة أو اللهو ‏.‏

ومع قيام هذه الاحتمالات والشبهات لا يبقى للخط المجرد حجية ‏، ولا يصلح للاعتماد عليه وحده ‏.‏

أما إذا أشهد عليه فيعتبر وثيقة وحجة ‏؛‏ لأن الشهادة ترفع الشك وتزيل الاحتمال ‏.‏ ‏

من أهم صور التوثيق بالكتابة؟

أولا ‏:‏ إذا أمر شخص آخر بأن يكتب إقراره ‏، فيكون هذا الأمر إقرارًا حكمًا ‏.‏ جاء في ‏”‏ الدر المختار ‏”‏ ‏:‏ ‏”‏ الأمر بكتابة الإقرار إقرار حكما ‏، فإنه كما يكون باللسان يكون بالبنان ‏، فلو قال للصكاك ‏:‏ اكتب خط إقراري بألف علي ‏، أو اكتب بيع داري ‏، أو طلاق امرأتي صح ‏”‏ ‏.‏ ‏

‏‏ثانيًا ‏:‏ إن قيود التجار ‏-‏ كالصراف والبياع والسمسار ‏-‏ التي تكون في دفاترهم المعتد بها ‏، وتبين ما عليهم من ديون تعتبر حجة عليهم ‏، ولو لم تكن في شكل صك أو سند رسمي ‏، وذلك لأن العادة جرت أن التاجر يكتب دينه ومطلوبه في دفتره صيانة له من النسيان ‏، ولا يكتبه للهو واللعب ‏.‏ أما ما يكتب فيها من ديون لهم على الناس فلا يعتبر وثيقة وحجة ‏، ويحتاج في إثباتها إلى وجه آخر ‏.‏ ‏

ثالثًا ‏:‏ السندات والوصولات الرسمية تعتبر حججًا معتمدة في توثيق الدين وإثباته ‏.‏ جاء في فتاوى قارئ الهداية ‏:‏ ‏”‏ إذا كتب على وجه الصكوك يلزمه المال ‏، وهو أن يكتب ‏:‏ يقول فلان الفلاني إن في ذمتي لفلان الفلاني كذا وكذا ‏، فهو إقرار يلزم ‏”‏ ‏.‏ ‏

رابعًا ‏:‏ إذا أنكر من كتب أو استكتب سندًا رسميًا ممضيٍا بإمضائه أو مختومًا بختمه الدين الذي يحتويه ذلك السند مع اعترافه بخطه وختمه ‏، فلا يعتبر إنكاره ‏، ويلزمه أداء ذلك الدين دون حاجة إلى إثبات بوجه آخر ‏.‏ أما إذا أنكر خط السند الذي أعطاه مرسومًا أيضًا وقال ‏:‏ إنه ليس خطي ‏، فينظر ،فإن كان خطه مشهورًا ومتعارفًا بين التجار وأهل البلد وثبت أنه خطه ‏، فلا يعتبر إنكاره ‏، ويعمل بذلك السند بدون حاجة لإثبات مضمونه ‏.‏ ‏

‏‏‏ أما إذا لم يكن خطه مشهورًا ومتعارفًا فيستكتب ‏، ويعرض خطه على الخبراء ‏، فإذا أفادوا أن الخطين لشخص واحد ‏، فيؤمر ذلك الشخص بأداء الدين المذكور ‏، وإلا فلا ‏.‏ ‏

خامسًا ‏:‏ إذا أعطى شخص لآخر سندًا رسميًا يفيد أنه مدين له بمبلغ من المال ‏، ثم توفي ‏، فيلزم ورثته بإيفائه من التركة إذا اعترفوا بكون السند للمتوفى ‏، ولو أنكروا الدين ‏.‏ أما إذا أنكروا السند ‏، فينظر ‏:‏ إن كان خط المتوفى وختمه مشهورًا ومتعارفًا ‏، وثبت أن الخط خطه والختم ختمه ‏، فيجب عليهم أداء الدين من التركة ‏، ولا عبرة لإنكارهم ‏، وإن كان خلاف ذلك فلا يعمل بالسند لوجود شبهة التزوير فيه ‏.‏

سادسًا ‏:‏ إذا وجد الوارث خطًا لمورثه يفيد أن عليه دينًا قدره كذا وكذا لفلان ‏، فيجب على الوارث العمل بخط مورثه ودفع الدين إلى من هو مكتوب باسمه من التركة ‏.‏

حكم التوثيق بالكتابة؟

اختلف الفقهاء في حكم توثيق الدين بالكتابة على قولين ‏:‏ ‏
‏أحدهما ‏:‏ لجمهور الفقهاء ‏، وهو أن كتابة الدين مندوب إليها وليست واجبة ‏.‏ إذ الأمر في قوله تعالى ‏{‏ ‏:‏ فاكتبوه ‏}‏ للإرشاد لمن يخشى ضياع دينه بالنسيان أو الإنكار ‏، حيث لا يكون المدين موضع ثقة كاملة من دائنه ‏، يدل على ذلك قوله تعالى ‏{‏ ‏:‏ فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ‏}‏ وهو يفيد أن الكتابة غير مطلوبة إذا توافرت الأمانة والثقة بين المتعاملين ‏، وقد درج الناس من عهد الصحابة إلى يومنا هذا على عدم كتابة الديون ما دامت الثقة قائمة بين المتداينين ‏، ولم ينقل عن فقهائهم نكير مع اشتهار ذلك ‏.‏ ‏

‏الثاني ‏:‏ لابن جرير الطبري وبعض السلف ‏:‏ وهو أن كتابة الدين واجبة لقوله تعالى ‏{‏ ‏:‏ فاكتبوه ‏}‏ إذ الأصل في الأمر إفادة الوجوب ‏.‏ ومما يؤيد دلالة هذا الأمر على الوجوب اهتمام الآية ببيان من له حق الإملاء ‏، وصفة الكاتب ‏، وحثه على الاستجابة إذا طلب منه ذلك ‏، والحث على كتابة القليل والكثير ‏، ثم التعبير عن عدم وجوب الكتابة في المبادلات الناجزة بنفي الجناح ‏، حيث إنه يشعر بلوم من ترك الكتابة عند تعامله بالدين ‏.‏ ‏( من الموسوعة الفقهية الكويتية ).