المرأة المعقود عليها ما دامت باقية في بيت أبيها فإن طاعتها واجبة لأبيها لا لزوجها وكذلك فإنها تستأذن أباها في الخروج من البيت لا زوجها وكذلك تمنع المعاشرة الجنسية بين العاقدين قبل الزفاف.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
بداية أنصح دائماً بتقصير المدة بين عقد الزواج والزفاف لما يترتب على ذلك من مصلحة للزوجين وأهلهما إلا إذا وجدت أعذار مقبولة لتطويل تلكم الفترة كإعداد الزوج لبيت الزوجية ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن عقد الزواج إذا وقع صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية ومنها وجوب طاعة الزوجة لزوجها فطاعة الزوج فريضة قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) سورة النساء الآية 34. فهذه الآية قررت للرجل حق القوامة على المرأة ولا شك أنه لا قوامة بدون طاعة الزوجة لزوجها فيجب على المرأة أن تسمع وتطيع زوجها إذا أمرها بالمعروف.
ويقول الله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} سورة البقرة الآية 227
وروى الترمذي بإسناده عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله ﷺ فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فذكر في الحديث قصة فقال ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ومعنى قوله عوان عندكم يعني أسرى في أيديكم .
ومن صور الطاعة الزوجية ألا تخرج الزوجة من مسكنها إلا بإذن زوجها. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: ( إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها ) رواه البخاري.
وغير ذلك من النصوص التي أوجبت طاعة الزوجة لزوجها ووجوب استئذانه قبل الخروج من البيت.
ولكن يجب أن يعلم أن حق الزوج في طاعة زوجته له واستئذانه قبل الخروج من البيت إنما يكون بعد أن تزف الزوجة لزوجها وبعد أن ينقلها إلى بيته، وأما ما دامت الزوجة في بيت أبيها ولما تزف بعد فحق الطاعة ثابت للأب لا للزوج وكذا الاستئذان يكون في هذه الفترة من حق الأب لا للزوج لأن الأب هو المسؤول عن البيت وما دامت ابنته تعيش معه في بيته فحق الطاعة ثابت للأب لا للزوج.
ومثل ذلك يقال أيضاً في المنع من المعاشرة الزوجية بين الزوج وزوجته خلال هذه الفترة – فترة العقد وقبل الزفاف – فينبغي منع إقامة أي علاقة جنسية بينهما لما قد يترتب على المعاشرة الزوجية في الفترة التي تسبق الزفاف من مفاسد .
فمثلاً إذا تمت معاشرة بينهما في تلك الفترة وحصل الحمل فقد لا يستطيع الزوج إتمام الزفاف لسبب من الأسباب فعندئذ تظهر علامات الحمل على الفتاة وهذا ينعكس سلباً عليها وعلى زوجها ، وماذا لو قدر الله سبحانه وتعالى وفاة هذا الزوج قبل الزفاف وكان قد عاشرها وحملت منه فلا شك أن مشكلات كثيرة ستقوم وتؤدي إلى نزاع وخصام .
وهنالك احتمال أن يقع سوء تفاهم بينهما وقد يصل الأمر إلى الفراق بالطلاق أو غيره فحينئذ ستكون الفتاة في موقف صعب جداً وكذلك إذا تم الزفاف وكانت العلاقة الجنسية قد تمت قبله فقد يطعن الزوج في عفاف زوجته وهذا يوقع الفتاة وأهلها في مشكلات كبيرة.
والمرجع في المنع من هذه الأمور هو العرف الصحيح فإن المتعارف عليه بين الناس في بلادنا أن البنت ما دامت في بيت أبيها فإن حق الطاعة ثابت لأبيها لا للعاقد عليها وكذلك فإنها تستأذن أباها في الخروج من البيت فهو صاحب الأمر والنهي لا العاقد عليها وكذلك جرى العرف في بلادنا على أنه لا يجري بين العاقدين معاشرة جنسية إلا بعد الزفاف وكذلك فقد جرى العرف في بلادنا أن الأب هو الذي ينفق على البنت المعقود عليها ما دامت عند أبيها ولا يطالب العاقد بالإنفاق عليها إلا بعد الزفاف ويجب شرعاً مراعاة هذه الأعراف الصحيحة والتي لا تعارض الأحكام الشرعية فالعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم .
قال الإمام القرافي : [وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها ] شرح تنقيح الفصول ص 488 .
وقال الشيخ ابن عابدين :
والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار رسالة ” نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف ” ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/112 .
وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك كما في قولهم : العادة محكمة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً واستعمال الناس حجة يجب العمل بها وغير ذلك .
[ وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن أو السنة واضح الدلالة قطعياً أو نصاً تشريعياً كالقياس ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للـقاعدة الـشرعية الـثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الـثابت بالـعرف ثابت بدليل شرعي ] نظرية العرف ص 48 .
وقال العلامة ابن القيم: [ وعلى هذا أبداً تجيء الفتاوى في طول الأيام، فمهما تجدد العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغه، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به، دون عرف بلدك والمذكور في كتبك ] أعلام الموقعين 3/78 .
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أن العرف معتبر بشروط معينة فقد جاء في قرار المجمع ما يلي :
أولاً: يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ، وقد يكون معتبراً شرعاً أو غير معتبر .
ثانياً: العرف، إن كان خاصاً، فهو معتبر عند أهله، وإن كان عاماً ، فهو معتبر في حق الجميع .
ثالثاً: العرف المعتبر شرعاً هو ما استجمع الشروط الآتية :
أ – أن لا يخالف الشريعة فإن خالف العرف نصاً شرعياً أو قاعدة من قواعد الشريعة فإنه عرف فاسد
ب – أن يكون العرف مطَّرداً (مستمراً ) أو غالباً .
ج – أن يكون العرف قائماً عند إنشاء التصرف
د – أن لا يصرح المتعاقدان بخلافه ، فإن صرحا بخلافه فلا يعتد به .
رابعاً : ليس للفقيه – مفتياً كان أو قاضياً – الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير مراعاة تبدل الأعراف .] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 4 ص 2921.
ويضاف إلى ما سبق أن المحاكم الشرعية في بلادنا تأخذ بهذه الأعراف الصحيحة فلا تثبت حق الطاعة للزوج ما لم يقم الزوج بما يجب القيام عليه لإتمام الزفاف وتهيئة أسبابه حسب العادة والعرف.