ذكر العلماء أن من مقتضيات الأخوة في الله تعالى أن يتصافى الناس، ويحب بعضهم بعضا، فإن حدث هجر فليبادر كل منهم بالتسامح والمصالحة، لأن الأعمال تعرض على الله تعالى فيغفر للخلق إلاّ من كان بينهم شحناء.
ويجوز الهجر والقطيعة إذا كان سببها أمرا دينيا، على أن يكون الغرض منها الردع، والرجوع للحق.
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله:
يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: (إنَّما المؤمنونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10).
والأخوة تستلزم أن يكون هناك صفاء ولقاء، ومحبَّة ومودَّة، ولذلك يجب على أبناء الإسلام أن يتآخَوْا ويتصافَوْا ويتلاقَوْا في رحاب العَلاقة الكريمة الطيِّبة، والرسول ـ ﷺ يقول: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضًا”، وهذا يقْتضي أن تكون المحبة رابطة قوية بين المؤمن والمؤمن ولقد رَوى الإمامان البخاري ومسلم أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال في حديث طويل: “… ولا تدابروا” والتدابر هو التقاطع وإعراض الأخ عن أخيه، وكذلك رَوَيَا أنَّه قال: “لا يَحِلُّ لمسلم أن يَهجر أخَاه فوق ثلاث ليالٍ يلْتَقِيان فيُعْرض هذا ويُعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام”.
وروى مسلم أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “تُعرض أعمال الناس في كلِّ جُمُعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبْد مؤمن، إلا عبدًا بينه وبين أخيه شحْناء (أي خُصومة وعداوة) فيقال: اتركوا هذين حتَّى يَفِيئَا” (أي يَرجِعَا عن العداوة والخِصَام ويتَصالَحَا).
وروى مسلم أيضًا أن الرسول قال: “تُفْتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أَنْظِرُوا هذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحَا.
ومن الأحاديث الواردة في هذا الموضوع أيضًا قول الرسول ـ ﷺ ـ: “لا يَحِل لمسلم أن يَهْجر أخاه فوق ثلاث، فمَن هجر فوقها (أي بلا داعٍ) فمات دخل النار هذا إذا مات على هذه الحالة من غير توْبة، وفي رواية أخرى: “من هجر أخاه سنة فهو كسفْك دَمِه. والعلماء يقولون: مِثْلُ هذين الحديثين الأخيرين إنما يراد بهما التغليظ والزَّجْر.
وقد قال الفقهاء إنه لا يحل لمؤمن أن يَهجر مؤمنًا فوق ثلاثة أيام، فإن مرَّت هذه الأيام الثلاثة فلْيَلْقِه وليُسلِّم عليه، فإن ردَّ عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن كان البادئ أفضل، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج البادئ بالسلام من التَّبِعة.
وعلى هذا لا يجوز للمسلم أن يَهجر أخاه المسلم شهرًا أو أكثر من شهر أو أقل منه ما دامت المدة أكثر من ثلاثة أيام، ولكن يجوز أن يهْجر الإنسان المسلم شخصًا ينتَسب إلى الإسلام، إذا كان هذا الهجْر بسبب ديني، أو لأمر يُغضب الله ورسوله، فإذا كان الدافع إلى القطيعة أمرًا يُخالف أمر الله ـ تعالى ـ وأمر رسوله ـ ﷺ ـ فإن هذا الهَجْر جائز؛ لأنه يؤدِّي إلى مصلحة، أو يدفع شرًا، والله وليُّ المؤمنين المتآخين على كلمته وفي طاعته.أ.هـ