الإسلام لم ينه عن التزين، بل دعا إليه، ورغب فيه، ولا مانع من أن تتخذ المرأة صالونا للتجميل بحيث تجمل فيه النساء، وتزينهن بالضوابط الآتية:-
1- أن لا تطلع من المرأة على عورة، وأقصى ما يمكن أن تراه منها هو ما بين الرجل إلى الركبة، وما بين السرة إلى الرأس.
2- أن تمتنع عن وصل شعر النساء بأي شعر آخر طبيعيا كان، أو صناعيا، وحسبها أن تصله بالخيوط المعدة لذلك، وأن تمتنع عن عمل الوشم، والتفليج وهو المباعدة بين الأسنان.
3- أن تمتنع عن نتف شعر الحاجبين، أو ترقيقهما، وحسبها أن تأخذ ما فوق الحاجبين، وما تحتهما، وما بينهما.
4- أن تمتنع عن تزيين الوجه للمتبرجة التي تظهر حسنها أمام الناس؛ لأنه من التعاون على الإثم.
5- ولها أن تزيل ما تطلبه النساء من كافة شعورهن عدا شعر الحاجبين، فلها أن تزيل شعر الوجه، والإبط، واللحية، والشارب، غير أنه ليس لها أن تزيل لها شعر العانة؛ لأن فيه اطلاعا على العورة.
6- ولها أن تخضب شعر من تطلب ذلك بأي لون شاءت فيما عدا اللون الأسود للعجائز خاصة.
7- لها أن تزين الوجه بما تطلبه النساء بكافة أنواع المساحيق، ومستحضرات التجميل طالما أنها غير متبرجة.
يقول الشيخ المستشار فيصل مولوي – نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث -:-
يندب في الإسلام تحسين الهيئة من غير مبالغة وقد كان رسول الله ﷺ يأمر بذلك ومما قال في هذا: ” أصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش” أخرجه أبو داوود وفي إسناده جهالة (ميزان الاعتدال) ..
ويندب تحسين اللحية والشاربين، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ: ” كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها” أخرجه الترمذي وفي إسناده عمر بن هارون البلخي، وهو متهم بالكذب .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: “جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس” .
وتحسين وجه المرأة يكون بتنقيته من الشعر النابت في غير أماكنه، فيستحب لها إزالته عند الحنفية. وإذا أمرها الزوج بإزالته وجب عليها ذلك عند الشافعية. فقد روت امرأة ابن أبي الصقر: أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن، أتزين بذلك لزوجي؟ فقالت عائشة:” أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإن أمرك فأطيعيه، وإن أقسم عليك فأبريه، ولا تأذني في بيته لمن يكرهه. مصنف عبد الرزاق..
وقال المالكية: يجب على المرأة إزالة الشعر الذي في إزالته جمالها، كشعر اللحية إن نبت لها.
ويتأكد تحسين المرأة هيئتها للزوج وتحسين الزوج هيئته للزوجة كما يتأكد تحسين الهيئة للخروج إلى الجمعة والعيدين وللأذان.
وقد دخل رجل على الرسول ﷺ وهو أشعث سيئ الهيئة، فقال له رسول ﷺ : ” أمالك مال؟ قال: من كل قد آتاني الله عز وجل، قال: ” فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يُرى عليه” قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح.
من خلال ما تقدم، ومما لم نذكر من الآيات الكريمة، والأحاديث الصحيحة والتي تصب في هذا الاتجاه نرى أن الإسلام أمر بتحسين الهيئة للمسلمين حتى يكونوا كالشامة في أعين الناس، مثلما أمر بحسن الخلق حتى يتناغم الظاهر مع الباطن إلا أن هناك أنواعاً أخرى من التزين والتجمل قد نبه عليه الصلاة والسلام على حرمتها، وألحق اللعن بفاعلها ،أو بطالبها إن حصل له مطلوبه منها، وهي كثيرة منها:-
النمص والوشم والوصل، والوشر والتفليج ونحو ذلك. لأنها مبالغة في الزينة وهي خروج عن الفطرة والاعتدال، كما أنها نوع من التدليس والغش والخداع وهو محرم حتى في المعاملات.
ومن الأحاديث عن الرسول ﷺ: “لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة”. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. انظر جامع الأصول .
وفي حديث آخر “لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله…” أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
وحديث النهي عن الوشر أخرجه أبو داوود في اللباس والنسائي في الزينة وابن ماجة في اللباس، وفي سنده أبو عامر المصري، واسمه عبد الله بن جابر، وهو مجهول. انظر جامع الأصول.
وقد اتفقت عبارة العلماء في تحديد معنى الوشم والوصل والتفليج، فالوشم يكون بتغير لون الجلد بزرقة أو خضرة، أو سواد.
وذلك عن طريق الوخز بالإبر، وحشو ما تحت الجلد ،وقد أفرط بعض العرب فيه _ وبخاصة النساء _ فنقشن به معظم البدن.
والواشمة: هي التي تفعل ذلك بالنساء، والمستوشمة هي التي تطلب أن يفعل بها ذلك كما جاء في جامع الأصول لابن الأثير، ووافقه الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام.
وكذلك الواصلة: قال أبو داوود- : “الواصلة” التي تصل الشعر بشعر النساء والمستوصلة المعمول بها. انظر: جامع الأصول.
والوشر: – أن تحدد المرأة أسنانها وترققها، والواشرة: الصانعة لذلك والمؤتشرة: المفعول بها ذلك.
والفلج:- تباعد ما بين الثنايا، والمتفلجة: التي تتكلف فعل ذلك بها بصناعة وهو محبوب إلى العرب مستحسن عندهم، فمن فعل ذلك طلباً للحسن فهو مذموم..
وقد ظهر من هذه التعريفات أن المستوشمة هي الطالبة له، والمستوصلة هي الطالبة له وهكذا، وهو ما وافقه الشيخ القرضاوي، ودرج عليه أحياناً ابن الأثير في جامع الأصول، ويظهر أيضاً أن البعض من العلماء ذكروا المستوصلة على أنها المعمول بها والمستوشمة على أنها المعمول بها، وهو ما ذهب إليه ابن حجر في الفتح بقوله: والمستوصلة: التي تطلب فعل ذلك ،ويفعل بها. إلا أنه قال في النمص :(والمتنمصة: التي تطلب النماص). وهكذا نجد الإمام الواحد يذكر مجرد الطلب تارة، وتارة أخرى يضيف إليه حصول الفعل، فلعل المراد الحصول وهو الأقرب إلى روح الشريعة والله أعلم.
والفرق بينهما على الأول أن اللعن يلحق بها بمجرد طلبها. وعلى الثاني لا يلحقها اللعن بمجرد الطلب بل بحصول ذلك الفعل بها فتأمل.
والذي دلت عليه الأحاديث إنما هو وصل الشعر بالشعر طبيعياً كان أو صناعياً، فهو الذي يحمل معنى التزوير والتدليس، وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة أو خيوط ونحوها، فلا يدخل في النهي.
وفي هذا جاء عن سعيد بن جبير قال: ” لا بأس بالتواصل، والمراد به هنا خيوط من حرير، أو صوف تعمل ضفائر، تصل به المرأة شعرها، وبجوازها قال الإمام أحمد. .
ويبقى الحديث عن النمص وهو ما وردت أحاديث بحرمته كما سبق في البخاري ومسلم ،وفي غيرهما إلا أن أنظار العلماء اختلفت في تحديد معناه مع الاتفاق منهم على إلحاق اللعن بالفاعلة والمفعول بها.
لقد ذهب ابن حجر إلى القول بأن النماص: إزالة شعر الوجه بالمنقاش ويسمى المنقاش منماصاً لذلك، ثم قال بصيغة التضعيف: ويقال: إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو تسويتهما. ثم أردف ما يقوي هذا القول بقوله: قال أبو داوود في السنن: النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه.
وقال ابن الأثير في شرح الغريب: النمص: ترقيق الحواجب وتدقيقها طلباً لتحسينها. وهو ما ذهب إليه الأخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي قال: ومن الغلو في الزينة التي حرمها الإسلام النمص، والمراد به إزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو تسويتهما. انظر: كتاب الحلال والحرام.
وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: هذه الأمور محرمة نصت الأحاديث على لعن فاعلها، ولأنها من باب التدليس، وقيل: من باب تغيير خلق الله تعالى ففي الآية: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) انظر الموسوعة الفقهية.
قال الحافظ في الفتح: وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة- وهو الشعر النابت تحت الشفة السفلى- فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب. قلت] والكلام لابن حجر [ وإطلاقه مقيد بإذن الزوج وعلمه وإلا فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس.
ثم قال :وقال بعض الحنابلة: إن كان النمص شعاراً للفواجر امتنع، وإلا فيكره تنزيهاً.
ثم قال: وقالوا: ويجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة.
وقد أخرج الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة، وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها. فقال: أميطي عنك الأذى ما استطعت.
وقال النووي: يجوز التزين بما ذكر، إلا الحف فإنه من جملة النماص..
قال ابن عابدين: النهي عن النمص أي نتف الشعر محمول على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب، وإلا فلو كان في وجهها شعر ينفر زوجها بسببه ففي تحريم إزالته بعد؛لأن الزينة للنساء مطلوبة، ثم قال: إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالته بل تستحب.
قال ابن قدامة: أما حف الوجه فقال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الحف؟ فقال: ليس به بأس للنساء، وأكرهه للرجال.
ويتبين مما تقدم أن مسألة الحواجب قد فرغ منها في الراجح أنها من النمص المنهي عنه.
أما حف الوجه فمنهم من أدخله في النمص فمنع، ومنهم من لم يدخله فيه فأجاز، وقد حمل العلامة ابن عابدين المنع على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب. قلت:
ومقتضى كلامه جوازه إذا كانت فعلته لتتزين لزوجها. ويؤيده حديث المرأة _ الآنفة الذكر _ التي جاءت إلى السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: “المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت السيدة عائشة لها: أميطي عنك الأذى ما استطعت. والشاهد هنا أنها تعمل ذلك لزوجها.
وقال الإمام النووي: يجوز التزين بما ذكر إلا الحف قلت: بناء على أن الحف من النمص، وهو ما صرح به مباشرة بقوله: فإنه من جملة النمص.
وهنا يتضح أن العلماء يقفون أمام النهي عن النمص، ولكن يختلفون في تحديده أهو في الحاجب خاصة، أم في الوجه عامة؟ وقد سبق عرضه وترجيحه آنفاً، وتبين أن النمص حرام، وقد لعن عليه الصلاة والسلام النامصة والمتنمصة على السواء.
والسؤال ماذا يبقى من التزيين والتجميل؟ فنقول:-
يبقى حف الوجه للزوج وتطريته، وتحميره ،وتصفيف الشعر وصبغه إلا بالسواد، فإنه منهي عنه لأنه تدليس وخاصة إذا كانت قد شاب شعرها، ويبدو لي أنها إن صبغته بالسواد لزوجها خاصة بإذنه أو بعلمه فإنه لا بأس به، لأنه ليس من نوع التدليس عليه لارتفاع ذلك بالإذن أو العلم.
ويبقى أيضاً نتف شعر الإبط، وتقليم الأظافر ،ووصل الشعر بخيوط من حرير أو صوف كما سبق، وكذلك إزالة الشعر النابت في غير محله في الوجه كأن كانت المرأة مقرونة الحاجبين فيمكن إزالة ما بينهما، وكذلك الأخذ من فوقهما أو من تحتهما إذا تعدى مكانه كما يحصل ذلك في بعض النساء.