حكم نسبة الولد إلى غير أبيه :

حرم الإسلام التبني إن كان المتبني سينسب الولد إليه ،ويقيمه مقام ولده في كل شيء ،ولكن إن كانت الدولة أجنبية لا تبيح الكفالة لليتامى إلا إذا نسب المتبني الولد إليه ،وإن كان ترك هذا التبني يجعل النصارى واليهود يأخذون أبناء المسلمين ويتبنونهم ،مما يترتب على ذلك أن ينشأ الأولاد على غير ملة الإسلام ،فإنه لا مانع من تسجيل هؤلاء الأبناء بأسماء من يتبنونهم من المسلمين ،على أن تكتب ورقة يوضح فيها أن هذا الولد ليس لمن ينسب له ،ولا مانع من أن يكتب المتبني لمن تبناه الثلث كوصية إذا كبر بدلا من الميراث .

ومستند هذا الحكم هو الأخذ بأخف الضررين ،فإن نسبة الأولاد إلى غير أبيهم مع وجود ورقة توضح الحقيقة ترفق بشهادة الميلاد أو الورق الرسمي أخف ضررا من أن يتبدل دين أبناء المسلمين .

كما أنه تجدر الإشارة إلى أن الطفل المتبنى إن كان رضيعا ،فيمكن لزوجة المتبني أن ترضعه ،حتى يكون ابنها من الرضاع ،وإن لم تكن تلد ،فيمكن إدرار اللبن عبر بعض الوسائل الحديثة ،بإشراف أطباء حتى لا يكون هناك ضرر عليها .

حكم التبني في شريعة الإسلام :

يقول الدكتور طه جابر علواني رئيس المجلس الفقهي الأمريكي:
كان التبني من عادات الجاهلية التي مارسها العرب قبل الإسلام، وكان لهذه الظاهرة الاجتماعية آثار سلبية كثيرة عادت على المجتمع بالتفكك والانحلال، ويمكن الاطلاع على مظاهر هذه العادة في كثير من المصادر التي كتبت عن آثار وتقاليد الجاهلية ومشكلات العرب الاجتماعية في تلك المرحلة. فقد كان نظام الاسترقاق، وكثرة الحروب، وطلب الكثرة في القوة والعدد، والفقر والعوز كثيرا ما تكون وراء الحرص على التبني.

ظل نظام التبني سائدا حتى نزل القرآن أثناء المرحلة المدنية قاطعا بتحريمه والمنع منه، وذلك في قوله تعالى (الأحزاب: 4-6): {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل(4) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما (5) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا (6)}.

فاستجاب المسلمون إلى ذلك باعتباره أمرا قرآنيا واجب النفاذ، وحسم القرآن أمر التبني بتوجيه الأمر الإلهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالزواج من زينب بنت جحش التي كانت تحت متبناه، زيد بن حارثة، ليقطع دابر هذه الظاهرة، قال تعالى: (الأحزاب: 37): { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا (37)} فإذا ما تزوج الأب بالتبني (وهو في هذه الحالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ مبلغ الوحي) زوجة ولده بالتبني فذلك يعني إلغاء عمليا لكل آثار التبني القانونية والتشريعية التي كان أهل الجاهلية يرتبونها على ذلك من النسب وقضايا النكاح والإرث وغيرها. فتحريم التبني تحريم مؤبد لا يمكن إحداث أي استثناء أو تغيير فيه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة دعوة الأبناء لآبائهم، وبذلك قطع مسائل اختلاط الأنساب والتعدي على الحقوق.

الدعوة إلى كفالة الأيتام بديلا عن التبني :

في الوقت ذاته، فإننا نجد أن الشارع حث وندب المسلمين إلى كفالة الأيتام؛ ذكورا وإناثا ورعايتهم معنويا وماديا، وحض المسلمين على كفالة الأيتام وعدم إسلامهم للضياع، وتكفل لمن يقوم برعايتهم ومتابعة شؤونهم بالأجر العظيم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا. واعتبر الإسلام ذلك واجبا على الأمة بحيث لا يضيع أبناؤها أو يسلمون إلى غير الأمناء أو الأكفاء. وبذلك أصبحت كفالة الأيتام البديل الإسلامي عن التبني.

فكفالة اليتيم تحافظ على الأنساب والهوية من خلال ضرورة دعوة اليتيم لأبيه وقومه إن كانت معروفة، فإن لم تكن معروفة فيمنح اسما آخر، مثل عبد الله أو عبد الرحمن وسواها من الأسماء الصادقة في حقيقتها ومعناها والمقبولة عرفا، مع مراعاة عدم الدمج الكامل في الأسرة لئلا تختلط الأنساب ويرث مالا لا حق له فيه، وكذلك تجنب مفسدة التعرض للاختلاط بالمحرمات عليه من النساء.

فإذا دعي المكفول لأبيه أو أعطي اسما آخر من الأسماء التي تصدق عليه فلا شيء في ذلك، على أن يعلم اليتيم حين يبلغ رشده بنسبه وكامل هويته وطبيعة العلاقة بينه وبين بيت كافله لتجنب المفاسد التي أشرنا إليها. وفي حال رغب الكافل أن يساعد المكفول بعد بلوغه سن الرشد، فله أن يوصي له بوصية في حدود الثلث الذي له أن يتصرف فيه، وبذلك يعينه دون أن يأخذ من حق الورثة الآخرين شيئا.

كيفية التعامل مع التبني في البلاد الاجنبية :

أما ما أشير إليه من أن القوانين الأجنبية تفرض على كافل اليتيم أن يمنحه اسمه وأن يلحقه بأسرته، فيمكن في هذه الحالة أن يمنح بالإضافة إلى اسمه واسم أبيه أو الاسم الآخر الذي تم اختياره اسم َ الأسرة الكافلة، على أن يكتب ذلك في وثيقة تحتفظ الأسرة بها حتى إذا بلغ سن الرشد أخبر بما تم، وبذلك لا يقع الكافل تحت طائلة القانون ويكون في الوقت نفسه قد لبى نداء الشريعة في حفظ الأنساب. وحين يكون اسم الأسرة الكافلة قد غلب عليه بحيث لا يعرف عند البعض إلا إذا ذكر منسوبا إلى تلك الأسرة، فإنه لهذا الغرض بالذات لا تعتبر مناداته بهذا الاسم معصية يعاقب عليها، فالأسماء إنما كانت من أجل التعريف وحين لا يحصل التعريف إلا بذلك الاسم فلا بأس بذلك إن شاء الله.

ومن هنا فإننا نرجو من جميع القادرين من المسلمين أن لا يتركوا أبناء الأمة نهبا للفقر والتشرد وضياع الدين والهوية، وأن يكفل القادرون كل من يستطيعون كفالته سواء أكانوا من أبناء البلاد المنكوبة، وبذلك تكون الأمة قد أدت واجبها تجاه أبنائها الذين تقطعت بهم السبل ونزلت عليهم نوائب الدهر. والله لا يضيع أجر المحسنين. قال تعالى (المائدة: 2): { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب(2)}.