المصالح المرسلة هي المصالح التي لم ينص الشارع على اعتبارها و لا على إلغائها ؛ و سميت مصلحة لأنها تجلب نفعًا و تدفع ضرراً و سميت مرسلة لأنها مطلقة عن اعتبار الشارع أو إلغائه، فهي إذن تكون في الوقائع المسكوت عنها وليس لها نظير منصوص على حكمه حتى نقيسها عليه ، و فيها وصف مناسب لتشريع حكم معين من شأنه ألا يحقق منفعة أو أن يدفع مفسدة مثل المنفعة التي اقتضت جمع القرآن و تدوين الدواوين و تضمين الصناع و قتل الجماعة بالواحد في القصاص.

أما عن حجيتها : فإنه لا خلاف بين العلماء في أن العبادات لا يجري فيها بالمصالح المرسلة لأن العبادة سبيلها التوقيف فلا مجال للاجتهاد فيها و الرأي ، و الزيادة عليها ابتداع في الدين و الابتداع مذموم فكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار.
أما في المعاملات فقد اختلف العلماء في حجيتها و جعلها دليلاً من أدلة الأحكام و هذا الاختلاف على نحو واسع في كتب أصول الفقه و الراجح هو القول بحجيتها و ابتناء الأحكام عليها و عدها من أدلة الأحكام .
وهذا المصدر التشريعي مصدر خصب يسعفنا بالأحكام اللازمة لمواجهة ظروف الحياة المتغيرة دون خروج عن مباديء الشريعة و أحكامها القطعية ، و لكنني أؤثر و أفضل اللجوء إليها عن طريق جماعي لا فردي ، كلما أمكن اجتماع المجتهدين.

شروط و ضوابط العمل بالمصالح المرسلة :
ذكر المالكية و هم أكثر الفقهاء أخذًا بالمصالح شروطاً لابد من توافرها في المصلحة المرسلة لإمكان الاستناد عليها و هذه الشروط كما يلي:

أولاً : الملائمة : أي أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشرع فلا تخالف أصلاً من أصوله و تنافي دليلاً من أدلة أحكامه ، بل تكون من جنس المصالح التي قصد الشارع تحصليها ، أو قريبة منها ليست غريبة عنها .
ثانيًا: أن تكون معقولة بذاتها بحيث لو عرضت على العقول السليمة لتلقتها بالقبول .
ثالثا: أن يكون الأخذ بها لحفظ الضروري أو لرفع حرج ، لأن الله تعالى يقول(( و ما جعل عليكم في الدين من حرج ))
و هذه الشروط في الواقع ضوابط للمصلحة المرسلة تبعدها عن مزالق الهوى و نزوات النفوس و لكن ينبغي أن يضاف إليها شرطان آخران هما: أن تكون المصلحة التي تترتب على تشريع الحكم مصلحة حقيقة لا وهمية . و أن تكون المصلحة عامة لا خاصة ، أي يوضع الحكم لمصلحة عموم الناس لا مصلحة فرد معين أو فئة معينة.
و في المذاهب الإسلامية اجتهادات قامت على أساس المصلحة المرسلة من ذلك مثلاً أفتى المالكية بجواز تنصيب الأمثل من غير المجتهدين إمامًا إذا لم يوجد المجتهد و جواز فرض الضرائب على الأغنياء إذا خلا بيت المال أي الخزانة من المال اللازم لمواجهة النفقات الضرورية للدولة كسد حاجات الجند إلى أن يظهر مال في بيت مال المسلمين أو يكون فيه ما يكفي .
و عند الحنفية ، يجوز حرق ما يغنمه المسلمون من متاع و ضأن إذا عجزوا عن حمله فيذبحون الضأن و يحرقون اللحم وكذلك يحرقون المتاع لئلا ينتفع به الأعداء .
و قال فقهاء الحنابلة :إن لولي الأمر أن يجبر المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه ، و له أن يجبر أصحاب الحرف و الصناعات التي يحتاج الناس إليها على العمل بأجر المثل إذا امتنعوا عن العمل في أعمالهم.