حرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على المرافق العامة وورد في القرآن الكريم والسنة المشرفة ما يؤيد هذا ويؤكده.

الحفاظ على المرافق العامة

يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة:

جُبلت النفس البشرية على التحرر من التكاليف أيًّا كان مصدرُها، رغبةً في عدم التقيد بحق أو التزام، وقد بيَّن بارئ هذه النفس سبحانه ما يَؤول إليه حال الدنيا لو كان السلطان فيها لما تَهوَى هذه النفس، فقال تعالى: (ولو اتَّبَعَ الحقُّ أهواءَهم لَفَسدَت السماواتُ والأرضُ ومَن فيهنَّ).

وانطلاقًا مما طُبعت عليه هذه النفس وتمشيًا مع ما يتفق وسَجيَّتها الفطرية قد يصدُر من بعض مَن تَرَكوا لأنفسهم العِنَان في التصرف وَفقَ ما تُمليه عليهم اعتداءٌ على حقوق الغير إيجابًا أو سلبًا، وأشد ما يكون هذا الانفلات عندما يكون الاعتداء على ما يَرتفق به الكافة وتشتد حاجتهم إليه، من طرق أو كبارٍ أو أنفاق، أو حدائقَ أو متنزَّهات، أو دورٍ للعبادة أو مِصَحّات، أو مكتبات، أو مجاري الأنهار أو البحار، أو وسائل النقل أو الاتصال، أو الغلاف الجويّ المحيط بكتلة سكنية، أو نحو ذلك مما يَفتقر إليه العامة في حياتهم.

-وقد حرَّم الإسلام الاعتداء على المرافق العامة، فمنَع من تلويث المياه بالمخلَّفات الآدمية أو الحيوانية أو مخلَّفات المصانع أو غيرها، مما يضر بالصحة أو الحياة عامة.

-كما حرَّم التبول أو التبرز في المياه، سواء كانت المياه قليلةً أوكثيرةً، راكدةً في مجراها أو جاريةً فيه.

-كما حرَّم التبول أو التبرز في الطريق العام، أو على أرض الحدائق والمتنزَّهات، أو تحت الأشجار التي يَتفيَّؤ الناس ظلالَها، مثمرةً كانت أو غيرَ مثمرة.

-كما حرَّم إلقاء المستقذَرات والنجاسات في الأماكن التي يَقصدها الناس للعبادة أو غيرها.

-كما حرم الاعتداء على الطرق العامة، سواء كان هذا بإلقاء المستقذَرات أو النجاسات أو الأشواك أو الأحجار أو الأتربة عليها، أو التسبب في ضيقها عن مرور الناس فيها بيسر وسهولة.

-كما حرَّم تلويث الغلاف الجويّ بالغازات السامة أو النُّفايات الضارّة بالكائنات الحية أو العوادم المتبخرة الضارّة بهذه الكائنات.

الأدلة على تحريم الإسلام العبث في المرفق العامة

-ومما يدل على حرمة تلويث المياه بما سبق ما رُوي عن جابر أن النبي ـ ـ “نهى أن يُبال في الماء الراكد”.

-ورُوي عنه أنه قال: نهى رسول الله ـ ـ “أن يُبال في الماء الجاري”.

-ومما يدل على حرمة ذلك وحرمة قضاء الحاجة في الطريق أو تحت الأشجار التي يستظل بها الناس وما في حكمها، ما رُوي عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله ـ ـ يقول: “اتقوا المَلاَعنَ الثلاثَ” أي الأمور التي تجلب اللعن، قيل: ما الملاعن الثلاث يا رسول الله؟ قال: “أن يقعد أحدكم في ظلّ يُستظَل به، أو في طريق، أو نقع ماء” أي فيقضيَ حاجته فيها.

-ورُوي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ ـ قال: “اتقوا اللاعنَين” قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: “الذي يَتخلَّى أي يقضي حاجته في طرق الناس أو ظلهم”.

-ورُوي عن معاذ قال: قال رسول الله : “اتقوا المَلاَعن الثلاث: البَرَاز في الموارد أي قضاء الحاجة في الأماكن التي يَرِدُ إليها الناس وقارعة الطريق، والظل”.

-ومما يدل على حرمة المستقذَرات في الأماكن التي يقصدها الناس حديث معاذ هذا، وما رُوي عن أنس أن رسول الله ـ ـ قال: “البُصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها”.

-ورُوي عن عائشة قالت: أمَرَنا رسول الله ـ ـ “ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُنظَّف وتُطيَّب”.

-ورُوي عن مكحول قال: نهى رسول الله ـ ـ “أن يُبال بأبواب المساجد”.

-ومما يدل على حرمة الاعتداء على الطرق العامة بأي وجه من وجوه الاعتداء ما رُوي عن حذيفة أن النبي ـ ـ قال: “من آذَى المسلمين في طُرُقهم وجَبَت عليه لعنتُهم”.

-ورُوي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ـ ـ يقول: “من غسَل سَخِيمتَه أي الغائط على طريق من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”.

-ومما يدل على حرمة الاعتداء على الغلاف الجويّ، بتلويثه بالغازات السامة والنُّفايات الضارّة والعوادم المتبخِّرة المضرَّة بالكائنات الحية، أو غير ذلك من كل ما يضرُّ بالحياة عامّةً، ما رُوي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ ـ قال: “لا ضرر ولا ضرار في الإسلام” الذي يدل بعمومه على حرمة إلحاق الضرر بالغير بأي وجه. ويدخل في عمومه حرمةُ إبطال هذه المرافق عن الانتفاع بها؛ لما يترتب عليه من ضرر بمن كانوا يَرتَفِقون بها، وذلك منهيٌّ عنه بعموم الحديث السابق.

ومن ثَمَّ فإنه يجب الالتزام بما ألزَمَ به الشرع الحنيف، من عدم الاعتداء على هذه المرافق وعدم التجاوز في الانتفاع بها؛ لأنه يمثل اعتداءً عليها كذلك وإضرارًا بحقوق من يَرتَفقون بها، وذلك محرَّم كما سبق.