البرُّ بالوالدين حثَّ عليه القرآن الكريم، وحثَّتْ عليه السُّنة النبوية الشريفة.
قال تعالى: (ووَصَّيْنَا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وفِصالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصيرُ).

وقال سبحانه: (وقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدوا إِلاّ إِيّاهُ وبَالوَالِدَيْنِ إِحْسانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ولاَ تَنْهَرْهُمَا وقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وقال تعالى: (ووَصَّيْنَا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووَضَعَتْهُ كُرْهًا).

وحثَّتِ السُّنّة على بر الوالدين وخَصّت الأم بمَزيد من البِرِّ وحُسْن الصُّحبة فعندما سُئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحد الصحابة ـ رِضوان الله عليهم ـ من أحقُّ الناس بحُسن صُحبتي يا رسول الله؟ قال: أمُّك: ثلاثًا، ثم أبوك.

ومن هذا وغيره من الأحاديث نُدرك مدى التأكيد على بِرِّ الوالدين وصلتهما، وحسن معاملتهما، والبعد عن كل ما يُسيء إليهما أدنى إساءة، ونُدرك كذلك مدى التأكيد على بِرِّ الأمِّ، وعدم الإساءة إليها، فهي قد تحمَّلت الكَثير من المَشاقِّ لأولادها حملاً، وولادة ورضاعًا وسَهرًا لليالي، وقامتْ بتربيتهم مع الأب حتَّى استقَلُّوا بأنفسهم، وخاضوا غِمار الحياة.

ولهذا عدَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عُقوقَ الوالدين وقطع صلتِهما من الكَبائر التي لا تُغتفر إلا بالتوبة النَّصوح إلى الله عزَّ وجلَّ.

وبر الوالدين يُقدَّم لهما في حال الحياة وحال المَمات، وذلك بالدُّعاء لهما، والتصدُّق عنهما، فقد أجمع العلماء على أنّه يجوز التصدُّق عن الميت، وأن ذلك يُقبل من المتصدِّق، إن شاء الله تعالى، وأفتى كثيرٌ من العلماء بأنّه يمكِن الصوم عن الميِّت، وقَبوله من الله عزَّ وجلّ، وجاءت بذلك السنة النبوية الشريفة.

فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله إنَّ أمي ماتتْ، وعليها صوم شهر أفأقْضيه عنها؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: نعم، فدَين الله أحقُّ أن يُقضى، كما يجوز الحجُّ عن الميِّت أيضًا.

فعلى العاق التوبة إلى الله بالنّدم على ما فعل من العقوق، وطلب المغفرة من الله ـ عزَّ وجلّ ـ بإخلاص، فإنه يغفر الذنوب جميعًا، إنه هو الغفور الرحيم، وأن يجتهد ما استطع في التصدُّق عن والديه والصوم عن من عليه صيام من أحد والديه فذلك من البِرِّ بهما.