قضاء الأيام التي يفطرها المسلم من رمضان واجب ، ولا يشترط في صوم القضاء التتابع، ولكنه أفضل ، ولو أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي وجب صيام رمضان التالي وتأخير القضاء بعده ولا يجب شيء غير القضاء بهذا التأخير، أما إذا مات قبل القضاء مع التمكن منه فهو آثم ، ويصوم عنه وليه أو يفدي .
فمن المعلوم أن قضاء الصوم يجب على كل من فاته الصوم في رمضان كلاً أو بعضًا، وأن من الناس من تلحقهم في رمضان أعذار صحية أو شرعية تبيح لهم – بحكم الشرع والدين- الإفطار مدة تلك الأعذار، ومن ذلك المريض والمسافر والحائض والنفساء، وأن من الناس من يتناول مفطرًا على وجه لا يتحقق به وجوب الكفارة عليه، ومنهم من يفطرون قبل الغروب على اعتقاد أن الشمس قد غربت، أو يأكلون بعد الفجر على اعتقاد أن الفجر لم يطلع. ومنهم من يفطر بغير ما يغذي ولا يشتهى، وكل أولئك يجب عليهم القضاء يومًا بيوم.
ولكن من الناس من يغفل عما أفطره من أيام رمضان، وكثيرًا ما ينساه ولا يذكره، وقد يذكره ولكنه يخدع نفسه جريًا وراء شهواتها، فيتثاقل أو يؤجل من يوم إلى يوم، ومن أسبوع إلى أسبوع إلى آخر، ومن شهر إلى شهر، وهكذا حتى يمر عليه العام، فيتلوه آخر، وهكذا حتى يوافيه الأجل وعليه ما عليه من صيام، وإن واجب المسلم أن يكون على ذكر دائم من حق ربه عليه، وأن يكون على ذكر أيضًا من قوله في آيات الصوم التي فرضته في رمضان، وبينت أحكامه: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة : 184، وقد وضعت هذه الآية قضاء رمضان في مستوى أدائه في وقته بالنظر للمريض والمسافر، وبذلك أخذ القضاء حكم الأداء، ووجب على من فاته الأداء أن يحرص على القضاء، وإذا كان الله قد أوجب القضاء على من أباح له الفطر في رمضان بعذر المرض أو السفر فلأن يجب القضاء – من باب أولى- على من أفطر بغير ما أباح به الإفطار في رمضان.
وإذا كان القضاء في صوم رمضان مما أوجبه الله على المؤمنين فمما لا شك فيه أن المبادرة بقضاء الواجب في وقت التمكن منه أفضل من تأخيره، ولا ينبغي للمؤمن أن يماطل ربه في أداء حقه بعد أن أزال عذره ورد عليه صحته وأعاده إلى وطنه. كيف والإنسان لا يدري متى ينزل به القضاء ، ومن هنا رجح العلماء أن الحج واجب على الفور، ولا ينبغي تأخيره متى تحققت عند المسلم استطاعته وأمن الطريق إليه.
ولو فرض وتهاون المسلم في قضاء الصوم حتى أقبل رمضان التالي فإنه يجب عليه أن يصوم رمضان لتعينه وقتًا للصوم المفروض، ثم يصوم ما عليه من قضاء.
وإذا ألح به التسويف حتى مات دون أن يصوم القضاء كان مسئولاً عنه أمام الله، وكان صومه لرمضان الذي أفطر فيه أياما ووجب قضاؤها وأهمل فيها حتى مات ناقصًا لا يصل به إلى درجة الصائمين عند الله.
أما حكم القضاء من جهة التتابع أو التفريق فللعلماء فيه رأيان:
أحدهما: أنه يجب فيه التتابع، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى حديث لم يصح عند أهل الحديث.
والجمهور على أن صوم القضاء لا يجب فيه التتابع، وإنما يستحبونه فيه، وإن فرَّق صح، ويستدلون بعموم قوله تعالى في جانب القضاء: (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، ومن أتى به متفرقًا فقد صام عدة من أيام أخر، وصح أن رسول الله – ﷺ- سئل عن تقطيع صوم القضاء، فقال: ” ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن ذلك قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر.
هذه هي الأحكام المتعلقة بقضاء رمضان، وينبغي أن يعلم أن الإفطار في صوم القضاء لا يوجب أكثر من قضائه، ولا تجب فيه كفارة ولا غيرها وإن كان الإفطار فيه متعمدًا، وكان بمغذ أو مشتهى؛ لأن المطلوب في القضاء صوم يوم آخر بدل الأصل (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).