على المسلم المكلف أن يتعلم أحكام دينه التي يتعبد الله بها، ويتعلم من أحكام الفقه ما تصح به عبادته ولا سميا صلاته التي هي عماد الدين وهي الركن الثاني بعد الشهادتين.

والطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، وكل من صلى على غير طهارة، فإن صلاته باطلة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ) [النساء:43].؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقبل صلاة بغير طهور. رواه مسلم وغيره.

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، أتدخل في العذر بالجهل أم لا؟

قال جلال الدين السيوطي رحمه الله:

كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنى والقتل والسرقة والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم. اهـ. [1]

وجاء في مطالب أولي النهى للرحيباني الحنبلي:

ولا تسقط الشروط[2] عمدا أو سهوا أو جهلا. أهـ

وعلى هذا الرأي يجب إعادة الصلوات التي صليت بغير طهارة.

أما شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله سره ونور ضريحه ـ فذهب إلى أن كلَّ من ترك واجباً لم يَعلم وجوبه، أو فعل محظوراً لم يَعلم أنَّه محظور، لم تلزمه الإعادة إذا عُلِم.

وقد بين هذا شيخ الإسلام ووضحه بقوله: كل من ترك واجباً لم يَعلم وجوبه، فإذا عَلم وجوبه فعله، ولا تلزمه الإعادة فيما مضى في أصح القولين في مذهب أحمد وغيره.

وكذلك من فعل محظوراً في الصلاة لم يَعلم أنه محظور ثم عَلم، كمن كان يصلي في أعطان الإبل، أو لا يتوضأ الوضوء الواجب الذي لم يعلم وجوبه؛ كالوضوء من لحوم الإبل، وهذا بخلاف الناسي؛ فإن العالم بالوجوب إذا نسي صلى متى ذكر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها).

وأما من لم يعلم الوجوب؛ فإذا علمه صلى صلاة الوقت وما بعدها، ولا إعادة عليه؛ كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي المسيء في صلاته: (ارجع فصل فإنك لم تصل). قال: والذي بعثك بالحق؛ لا أحسن غير هذا؛ فعلمني ما يجزيني في صلاتي. فعلمه صلى الله عليه وسلم، وقد أمره بإعادة صلاة الوقت، ولم يأمره بإعادة ما مضى من الصلاة، مع قوله: (لا أحسن غير هذا).

وكذلك لم يأمر عمراً وعماراً بقضاء الصلاة، وعمر لما أجنب لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، ولم يأمر أبا ذر بما تركه من الصلاة وهو جنب، ولم يأمر المستحاضة أن تقضي ما تركت مع قولها: إني أستحاض حيضة شديدة منعتني الصوم والصلاة.

ولم يأمر الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لهم الحبال البيض من السود بالإعادة، والصلاة أول ما فُرضت كانت ركعتين ركعتين، ثم لما هاجر زيد في صلاة الحضر ففُرضت أربعاً، وكان بمكة وأرض الحبشة والبوادي كثير من المسلمين لم يعلموا بذلك إلا بعد مدة، وكانوا يصلون ركعتين، فلم يأمرهم بإعادة ما صلوا.

كما لم يأمر الذين كانوا يصلون إلى القبلة المنسوخة بالإعادة مدة صلاتهم إليها قبل أن يبلغهم الناسخ؛ فعُلم أنه لا فرق بين الخطاب المبتدأ والخطاب الناسخ، والركعتان الزائدتان إيجابهما مبتدأ وإيجاب الكعبة ناسخ، وكذلك التشهد وغيره إنما وجب في أثناء الأمر وكثير من المسلمين لم يبلغهم الوجوب إلا بعد مدة.

ومن المنسوخ أن جماعة من أكابر الصحابة كانوا لا يغتسلون من الإقحاط[3]؛ بل يرون الماء من الماء؛ حتى ثبت عندهم النسخ، ومنهم من لم يثبت عنده النسخ، وكانوا يصلون بدون الطهارة الواجبة شرعاً لعدم علمهم بوجوبها، ويصلي أحدهم وهو جنب. [4]

الخلاصة:

أن من صلى جنبا وهو جاهل أو من لم يأت بشرط من شروط الصلاة جهلا فإنَّ في وجوب قضاء الصلوات عليه قولان، قول بالإعادة، وقول لشيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا يلزم إلا إعادة صلاة الوقت فقط دون غيرها من الصلوات، وهذا ما نرجحه في هذه المسألة.

[1]الأشباه والنظائر الكتاب الرابع في أحكام يكثر دورها ويقبح بالفقيه جهلها  ـ

[2]أي شروط الصلاة.

[3]هو أن يجامع الرجل، ولكن دون أن يتمكن من الإنزال، فيقال: أقحط الرجل أو أكسل.

[4]مجموع الفتاوى (23/17)