صلاة القصر بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بياناً مجملاً وأوضحها نبيه محمد ، قال تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] الآية، وبينها النبي ، فكان يقصر في السفر إذا سافر صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين، أما المغرب فلا تقصر كان يصليها ثلاثاً دائماً في السفر والحضر، وهكذا الفجر لا تقصر تصلى ثنتين دائماً في السفر والحضر.

أما الجمع فهو رخصة إن احتاج إليه جمع وإلا تركه، فإذا ارتحل بعد الظهر وأحب أن يصلي العصر مع الظهر فلا بأس، وهكذا لو ارتحل بعد المغرب وأحب أن يقدم العشاء معها فلا بأس، كما فعله النبي في كثير من أسفاره، وهكذا لو ارتحل قبل الظهر فأحب أن يؤخر الظهر مع العصر كان هذا أفضل حتى يصليهما في وقت العصر، وهكذا لو ارتحل في السفر قبل المغرب فأخر المغرب مع العشاء وصلاهما في وقت العشاء؛ لأن الرسول فعل ذلك.

ماذا يفعل المسافر إذا صلى خلف مقيم:

المأموم تابع لإمامه ،فإن كان الإنسان في سفر ،وهناك المقيم ،فليتقدم المسافر للصلاة،ثم يسلم ويكمل المقيم

وإذا دخل المسافر الصلاة خلف المقيم فليس له أن يقصر،بل لابد من الإتمام.
وهذا ما رجحه الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني بعد أن أورد آراء العلماء ،وهذا نصه بتصرف:
المسافر متى ائتم بمقيم ‏،‏ لزمه الإتمام ‏،‏ سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة ‏،‏ أو أقل ‏.‏ قال الأثرم ‏:‏ سألت أحمد بن حنبل المسافر ‏ يدخل في تشهد المقيمين ‏؟‏ قال ‏:‏ يصلي أربعًا ‏.‏ ‏

‏وروي ذلك عن ابن عمر ‏،‏ وابن عباس ‏،‏ وجماعة من التابعين ‏.‏ وبه قال الثوري ‏،‏ والأوزاعي ‏،‏ والشافعي ‏،‏ وأبو ثور ‏،‏ وأصحاب الرأي.
-وقال إسحاق ‏:‏ للمسافر القصر ‏;‏ لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين ‏،‏ فلم تزد بالائتمام ‏،‏ كالفجر ‏.‏ وقال طاوس ‏،‏ والشعبي ‏،‏ وتميم بن حذلم ‏،‏ في المسافر يدرك من صلاة المقيم ركعتين ‏:‏ يجزيان. ‏
‏-وقال الحسن ‏،‏ والنخعي ‏،‏ والزهري ‏،‏ وقتادة ‏،‏ ومالك ‏:‏ إن أدرك ركعة أتم ‏،‏ وإن أدرك دونها قصر ‏;‏ لقول النبي ‏:‏ ‏{‏ من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة ‏}‏ ‏.‏ ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة ‏،‏ ومن أدرك أقل من ذلك ‏،‏ لا يلزمه فرضها ‏.‏ ‏

‏-قال الإمام ابن قدامة الحنبلي :ما روي عن ابن عباس ‏،‏ أنه قيل له ‏:‏ ‏{‏ ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد ‏،‏ وأربعًا إذا ائتم بمقيم ‏؟‏ فقال ‏:‏ تلك السنة‏ ‏}‏ رواه أحمد ‏،‏ في ‏”‏ المسند ‏”‏ ‏
‏وقوله ‏:‏ السنة ‏.‏ ينصرف إلى سنة رسول الله ‏.‏ ولأنه فعل من سمينا من الصحابة ‏،‏ ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفًا ‏.‏
-قال نافع ‏:‏ كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلاها أربعًا ‏،‏ وإذا صلى وحده صلاها ركعتين ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏
ولأن هذه صلاة مردودة من أربع إلى ركعتين ‏،‏ فلا يصليها خلف من يصلي الأربع كالجمعة.‏
‏وما ذكره إسحاق لا يصح عندنا ‏;‏ فإنه لا تصح له صلاة الفجر خلف من يصلي الرباعية ‏،‏ وإدراك الجمعة يخالف ما نحن فيه ‏،‏ فإنه لو أدرك ركعة من الجمعة رجع إلى ركعتين ‏،‏ وهذا بخلافه ‏.‏
ولأن النبي قال ‏:‏ ‏{‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ‏}‏ ‏.‏ ومفارقة إمامه اختلاف عليه ‏،‏ فلم يجز مع إمكان متابعته ‏.‏

إذا أحدث الإمام أثناء الصلاة وهو مسافر:

إذا أحرم المسافرون خلف مسافر فأحدث ‏،‏ واستخلف مسافرًا آخر ‏،‏ فلهم القصر ‏;‏ لأنهم لم يأتموا بمقيم ‏.‏ ‏

‏وإن استخلف مقيمًا ‏،‏ لزمهم الإتمام ‏;‏ لأنهم ائتموا بمقيم ‏،‏ وللإمام الذي أحدث أن يصلي صلاة المسافر ‏;‏ لأنه لم يأتم بمقيم ‏.‏ ولو صلى ‏المسافرون خلف مقيم ‏،‏ فأحدث واستخلف مسافرًا أو مقيمًا ‏،‏ لزمهم الإتمام ‏;‏ لأنهم ائتموا بمقيم ‏،‏ فإن استخلف مسافرًا لم يكن معهم في الصلاة ‏،‏ فله أن يصلي صلاة السفر ‏;‏ لأنه لم يأتم بمقيم ‏.‏ ‏
والخلاصة أن المسافر إذا صلى خلف مقيم أتم الصلاة،ولا يجوز له أن يصلي ركعتين وينتظر الإمام،على أرجح الآراء ،ولما يشهد له من فعل الصحابة رضي الله عنهم

‏‏