يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله- :

قال الله تعالى : [ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ]( النساء : 59 ) ، وإذا رددنا المسألة إلى الله تعالى بعرضها على كتابه ، وإلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بعرضها على سُنته ، لا نجد فيهما دليلاً على مشروعية صلاتين مفروضتين في وقت واحد بل على عدمه ، وهو الأصل .

فمن كان يعتقد أن صلاة الجمعة لا تصح منه حَرُم عليه أن يصليهما ، ووجب عليه الظهر وحده ، ومن صلاها معتقدًا صحتها منه أجزأته ، ولم يجب عليه غيرها في وقتها إلى العصر ، ومن اعتقد أن صلاته للجمعة صحيحة ولكنها ناقصة نقصًا لا يقتضي بطلانها ، فله أن يجبرها بالنوافل الرواتب وغير الرواتب ، وقد صح في حديث ابن عمر المتفق عليه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وأصحاب السنن الأمر بصلاة أربع ركعات بعده وورد بلفظ : ( من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا ) أي إن شاء ، والأفضل أن تكون في البيت كسائر النوافل .

ولا يتوهمن الذين يصلون الظهر بعد الجمعة أن الخطب في ذلك سهل ؛ لأنه زيادة من الخير الذي هو الصلاة ، فإن فيه خطرًا عظيمًا ؛ من حيث إنه شرع عبادة لم يأذن بها الله ، والشارع هو الله وحده ، فمن أحدث في الشرع شيئًا ، فقد جعل نفسه شريكًا لله في ألوهيته أو ربوبيته ، ومن وافقه فقد اتخذه شريكًا كما قال تعالى : [ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ] (الشورى : 21) ، وتفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) ؛ لاتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابًا ؛ بأنهم كانوا يضعون لهم أحكام الحلال والحرام فيتبعونهم فيها ، وهم ما كانوا يضعون تلك الأحكام إلا بمثل الشبهات التي حدثت بها البدع الدينية في الإسلام ، من حيث إنها زيادة في الخير أو العبادة أو احتياط في ترك ما لا يرضي الله تعالى ، كما هو معروف في تاريخهم .

فيا أيها المسلمون لا تغلو في دينكم ، وإن لكم في الفرائض والمندوبات الثابتة في الكتاب والسنة بالنص الصريح غنية عن سواها ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الأعرابي الذي حلف أنه لا يزيد على المكتوبات الخمس وسائر الفرائض من أركان الإسلام ولا ينقص : ( أفلح إن صدق ) ودخل الجنة إن صدق ، ويا ليت السوادَ الأعظم من المسلمين يأتون جميع الفرائض القطعية ، ويتركون جميع المحرمات القطعية ، وفي النوافل المشروعة ما يستغرق العمر .