تم استفتاء عدد من العلماء والباحثين ، في هذه المسألة ، وكان جمهورهم على أنه لا يجوز أن يقوم خطيب بالخطبة لمئات من المساجد تبث خطبته عبر وسيلة من وسائل الإعلام، وأن هذا العمل بدعة مخالف لما عليه عمل المسلمين منذ عهد النبي ﷺ إلى اليوم ، وأجاز ذلك الشيخ جمال قطب من علماء الأزهر، على أساس أن المطلوب في الجمعة خطبة مسموعة ،وقد تمت .
وهذه أقوال العلماء في ذلك :
يقول الأستاذ الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
لكل مسجد إمام ، وفي يوم الجمعة يصعد للخطبة ، ويراه الناس ، فيتأثرون بكلامه أكثر مما يتأثرون به لو لم يروه بأبصارهم ، فإذا خطب أحد الخطباء في مسجد ، ونقلت خطبته إلى مساجد أخرى عن طريق أحد وسائل الإعلام كالإنترنت وغيرها ، فإن من يستمعون إلى هذه الخطبة ربما يستفيدون منها ، ولكن صلاتهم غير صحيحة ، لأنهم لم يروه بطريق مباشر، وإجراء الخطبة بهذه الطريقة خطأ ، ولا داعي لأن يكون هناك خطيب الواحد، فإن لم يوجد في بعض المساجد أئمة ، صلوها ظهرا ، ولا يجوز الاستماع إلى الخطبة من المذياع أو غيره ، والانجرار وراء مثل هذا الفعل ، قد يؤدي بنا إلى ما لا تحمد عقباه ، وقد يتنادى بعدُ أن يصلي الناس وراء هذا الإمام ، ولا داعي لأئمة المساجد، ولأن الخطبة تقوم مقام الركعتين ، فلابد من مباشرة الإمام ورؤيته أمام المأمومين.
ويقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح عاشور الأستاذ بجامعة الأزهر:
فمن المعلوم أن للجمعة شروطا وسننا وآدابا، وهي مسطرة في كتب السنة والفقه ، ولا يجوز لأحد أن يغير هذا الذي أجمع عليه المسلمون من عهد النبي ﷺ إلى يومنا هذا.
ومن ضمن شروط الجمعة أن يخطب الخطيب خطبتين ،ولا ينوب عن ذلك أن يستمع المصلي للخطبتين من المذياع أو التلفاز أوعبر شبكة الإنترنت ، فما يقوله من لا علم لهم من أنه لا يجوز أن يخطب خطيب واحد عبر أي وسيلة من وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية فتوى باطلة ، وعمل مخالف لما عليه المسلمون من يوم شرع الله تعالى صلاة الجمعة وإلى الآن. انتهى
ويقول الشيخ جمال قطب من علماء الأزهر:
إذا صح الخبر، ورضي المأمومون بالمستوى العلمي الذي يقدمه ذلك الخطيب ، فإنها فكرة جيدة لا يعارضها الشرع، وأئمة المساجد موجودون في أثناء إلقاء الخطبة الموحدة التي تبث للجميع ، فإذا أراد أحد من المأمومين أن يتبين ، سأل إمام مسجده ، أو سأل الخطيب إن كان يجيد التعامل مع الحاسب الآلي.
ولكن الفكرة رغم جدتها وطرافتها ، فإنها لا تتعارض وأحكام الشرع ، فالنصوص المتواترة تعلمنا أن الجمعة خطبة توضح للناس أمور دينهم ودنياهم ، كما تتناول الأحداث التي فرضت نفسها على المجتمع ، فإذا كان البيان صحيحا وعاما وشائعا بهذا القدر أن يلتقي عليه جماهير ثلاثمائة وخمسين مسجدا(350)، فإنها نعمة.انتهى
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم :
خطبة الجمعة من العبادات المشروعة ، التي تناقتلها الأمة عن النبي ﷺ سلفا عن خلف ، والمسلمون يؤدونها كما كانت منذ العصر الأول ، وإن كانت الصلاة مأخوذة هيئة وشكلا من فعل النبي ﷺ ، لقوله ﷺ :” صلوا كما رأيتموني أصلي” ، وكانت الخطبة نوعا من العبادة ، فيجب الوقوف عند الهيئة الواردة عن النبي ﷺ ، قياسا على الصلاة، لأن كليهما عبادة ، و الأصل في العبادات التوقف كما اتفق على ذلك جمهور الأصوليين .
وعند حديث الفقهاء عن خطبة الجمعة وعددها قالوا : يشترط حضور أربعين ، وقيل غير هذا ، مع الإمام ، وهذا الحضور الذي اشترطه الفقهاء بين الإمام وصلاة الجمعة لا ينطبق على من يخطب الناس من خلال جهاز كمبيوتر ، فلا يسمى هذا حضورا ، ولا يقال لمن يشاهد مبارة كرة قدم وما شابهها من بيته ، أو من غير وجود حقيقي في المكان أنه حضر ، ولك يقال :شاهد ،وفرق بين المشاهدة والحضور.
كما أنه بالنظر إلى علة استعمال هذه الوسيلة ، وهي أن الإسلام ليس ضد العلم الحديث ، فهل أثبت أحد من العالمين أن الإسلام ضد العلم الحديث ، حتى نخترع في ديننا ، ما نثبت به خلاف المدعى عليه؟
وهل العلم الحديث حجة على الإسلام ، حتى نطوع عباداتنا له ؟!!
إن الله تعالى له حق العبادة علينا ، وما دمنا نسلم أن الله تعالى له هذا الحق ، فلله أن يتعبدنا بما يشاء ، لأنه حق خالص له .
كما أن من فلسفة خطبة الجمعة في الإسلام – بجوار كونها تذكر وتزكي النفوس – فهي تعالج قضايا في حياة الناس ، وترشدهم للحياة الفاضلة في ظل رؤية من شرع الله تعالى ، والاختلاف بين الناس في الاهتمام والقضايا والمشكلات أمر مسلم به ، فكيف توحد خطبة واحدة لملايين الناس؟
ربما يمكن ذلك في درس علم ، أو في مؤتمر يبث للمسلمين حتى يستفيدوا به ، أو بث ندوة شرعية أو علمية ، من باب التثقيف ونشر الوعي في المجتمع ، لكن لا يتعدى إلى عبادة مثل خطبة الجمعة .
وقد يحمد التفكير في مثل هذه الوسيلة ، ولكن نستفيد منها في النطاق الواسع من حياة المسلمين ، مع بقاء أصول الدين من العبادات المشروعة كما وردت عن الرسول ﷺ وسلف الأمة.
ومن صلى الجمعة عن طريق متابعة الخطيب في الأنترنت ، بحيث يكون الإمام في مكان ، والمأمومون في مكان آخر، بطلت جمعته ، ولم تصح ، إلا في المسجد الذي وجد فيه الإمام مع المأمومين.